وكان يأخذ برأى الفراء فى أن «لو» قد تكون حرفا مصدريّا بمنزلة أن المصدرية إلا أنها لا تنصب المضارع ، ويكثر وقوعها حينئذ بعد ودّ ويودّ مثل : (وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ) و (يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ) وقد تقع بدونهما كقول قتيلة :
ما كان ضرّك لو مننت وربما |
|
منّ الفتى وهو المغيظ المحنق |
ويعرض لرأى جمهور البصريين فى أنها فى هذه المواضع شرطية وأن جوابها محذوف ، ويقول : «لا خفاء بما فى ذلك من التكلف» (١).
وعلى نحو ما كان يختار ابن هشام لنفسه من المدرستين الكوفية والبصرية كان يختار لنفسه أيضا من المدرستين البغدادية والأندلسية ، ومما اختاره من آراء أبى على الفارسى أن «حيث» قد تقع مفعولا به كما فى قوله تعالى : (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ)(٢) وأن قلما فى مثل «قلما يقوم زيد» لا تحتاج لفاعل ، لأنها استعملت استعمال ما النافية (٣) ، وأن «ما» قد تأتى زمانية ، يقول : «وهذا ظاهر فى قوله تعالى : (فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ) أى استقيموا لهم مدة استقامتهم لكم» (٤). ووافق ابن جنى فى أن الجملة قد تبدل من المفرد كقول بعض الشعراء :
إلى الله أشكو بالمدينة حاجة |
|
وبالشام أخرى كيف يلتقيان |
على تقدير أن جملة الاستفهام «كيف يلتقيان» بدل من كلمتى «حاجة وأخرى» أى إلى الله أشكو حاجتين : تعذر التقائهما (٥). وقد أكثر من مراجعة الزمخشرى ، ويكفى أن نذكر من ذلك ثلاثة أمثلة ، أولها رده ما ذهب إليه من أن «لن» تقتضى تأبيد النفى وتوكيده ، يقول : «وكلاهما دعوى بلا دليل ، ولو كانت للتأبيد لم يقيّد منفيها باليوم فى قوله تعالى : (فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا) ولكان ذكر الأبد فى (وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً) تكرارا والأصل عدمه» (٦). وثانى الأمثلة ما ذهب إليه الزمخشرى فى الواو من أنها قد تأتى للإباحة مثل أو ، وذلك فى تعليقه بتفسيره على آية البقرة : (فَإِذا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ
__________________
(١) المغنى ص ٢٩٣ والتصريح ٢ / ٢٥٤.
(٢) المغنى ص ١٤٠.
(٣) المغنى ص ٧٥٠.
(٤) المغنى ص ٣٣٥.
(٥) المغنى ص ٤٧٥ والتصريح ٢ / ١٦٢.
(٦) التصريح ٢ / ٢٢٩ والمغنى ص ٣١٤.