الناس بالقمر» وأنها ليست حينئذ نعتا كما زعم أبو حيان (١). وكان يعجب بقوله فى كيف : «لم يقل أحد إنها ظرف إذ ليست زمانا ولا مكانا ، ولكنها لما كانت تفسّر بقولك على أى حال لكونها سؤالا عن الأحوال العامة سميت ظرفا ، لأنها فى تأويل الجار والمجرور ، واسم الظرف يطلق عليهما مجازا» (٢) كما كان يعجب بقوله إن لما ظرف بمعنى «إذ» لا بمعنى حين كما زعم الفارسى وابن جنى (٣). أما أبو حيان فإنه كاد أن لا يوافقه فى شىء ، وكان كما أسلفنا يكثر من الخلاف على ابن مالك ، وكأنما جعل ابن هشام نصب عينيه أن ينقض كل ما أورده عليه (٤) ، وكذلك على الزمخشرى (٥).
ولعلنا لا نبعد إذا قلنا إن أهم نحوى مصرى تعقبه فى آرائه هو ابن الحاجب ، وكثيرا ما يثبت عليه السهو والوهم والتعسف (٦) وكثيرا ما يتوقف لنقض آرائه (٧). وكتابه «المغنى» فى الواقع موسوعة كبرى لعرض آراء النحاة السابقين له فى مختلف الأصقاع العربية ، وهو ليس عرضا فقط بل هو مناقشة واسعة لتلك الآراء وتبين الصحيح منها والفاسد ، مع كثرة الاستنباطات ومع اشتقاق الآراء المبتكرة غير المسبوقة ، ويكفى أن نضرب لذلك بعض الأمثلة كذهابه إلى أن «عشر» فى قولنا اثنى عشر حالة محل النون فى اثنين ، وهى بذلك ليست مضافة إلى ما قبلها ولا محل لها من الإعراب (٨). ومن ذلك أن كان وأخواتها ما عدا ليس تدل على الحدث كما تدل على الزمان (٩) ، وأن الحال كما تأتى مؤكدة لعاملها فى مثل «ولّى مدبرا» تأتى مؤكدة لصاحبها مثل «جاء القوم طرّا» و (لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً)(١٠). وأهم من الآراء المبتكرة وضعه للضوابط النحوية على نحو ما يتجلى فى الأبواب الثانى والثالث والرابع والخامس من كتابه المغنى ، وقد بلغت حدّا رائعا من
__________________
(١) المغنى ص ٢١٢.
(٢) المغنى ص ٢٢٦.
(٣) المغنى ص ٣١٠.
(٤) انظر المغنى ص ١١٧ ، ١٣٦ ، ٢١٢ ، ٢١٦.
(٥) انظر مثلا المغنى ص ٣٢ ، ٣٩ ، ٢٠٨.
(٦) انظر المغنى ص ٣٥ ، ٢٩٩.
(٧) راجع المغنى ص ٧٣ ، ١٠٣ ، ٢٩٠ ٥١٤.
(٨) الهمع ١ / ١٤.
(٩) المغنى ص ٤٨٨.
(١٠) المغنى ص ٥١٨.