والخامس : أنا إذا قدرنا : (أستثني) صار الكلام جملتين ، وتقديره بالجملة الواحدة أولى.
وأما مذهب الفراء فيبطل من ثلاثة أوجه :
أحدها : أنّ دعوى التركيب فيها خلاف الأصل فلا يصار إليه إلا بدليل ظاهر ولا دليل بحال.
والثاني : أنّه لو سلم ذلك لم يلزم بقاء حكم واحد من المفردين كما في : (لو لا) وكأنّ وغيرهما ؛ لأن التركيب يحدث معنى لم يكن وبحدوثه يبطل العمل.
والثالث : أنّ النصب ب (إنّ) فاسد ؛ لأنها إذا نصبت افتقرت إلى خبر ولا خبر و (لا) لا تعمل الرفع ، ولو عملت لافتقرت إلى خبر أيضا.
فصل : والبدل في النفي بعد تمام الكلام أولى لأمرين :
أحدهما : أن العمل فيهما واحد وهو أولى من اختلاف العمل.
والثاني : أنّك إذا جعلته بدلا كان لازما في الجملة كما أن المستثنى منه كذلك ، وهو أولى من جعله فضلة إذ كان الاستثناء لازما في المعنى المطلوب فيكون اللفظ كذلك.
فصل : وإنما لم يجز البدل في الموجب لفساد معناه ، وذلك أنّ (إلّا) يخالف ما بعدها ما قبلها ، وإذا قلت : (قام القوم إلا زيد) كان كقولك : (قام إلّا زيد) ف (زيد) إن جعلته في المعنى قائما لم يكن ل (إلا) معنى وإن نفيت عنه القيام احتجت إلى تقدير فاعل ولا يصح ؛ لأنه يصير قام كلّ واحد وهذا محال.
فصل : ولا يجوز عند جمهور النحويين أن يكون المستثنى أكثر الجملة مثله عليّ عشرة إلا ستة أوجه :
أحدها : أنّ الاستثناء في الأصل دخل الكلام للاختصار أو للجهل بالعدد كقولك : (قام القوم إلا) فاستثناء : (زيد) كان للجهل بعدد من قام منهم أو للإطالة بتعديدهم ولا شبه أنّ قوله عليّ أربعة أحضر من قوله عشرة إلا ستّة.
فإن قلت : فعشرة إلا أربعة جائز معنى مع أنّ (ستّة) أخضر؟
قيل : جاز للمعنى الآخر وهو الجهل ؛ فإنّه قد يعرف العدد القليل ولا يعرف الكثير ، وإذا الكثير عرف القليل هذا هو الأصل.