الإيمان الذي لا يناقض الواقع الجديد المتمثل ببيعة الخلفاء الراشدين .. فكل نص عندهم محكوم لهذا الواقع ، فما خالفه فينبغي تأويله ، وما لا يمكن تأويله بوجه من الوجوه فينبغي رده!
ومن هنا أنكر متكلموهم صحة نسبة (نهج البلاغة) إلى الإمام علي لأجل احتوائه على تلك النصوص وأمثالها ، فيما اكتفى المدافعون عن (نهج البلاغة) من شراحه خاصة بشرح غريبه فقط دون الوقوف عند مفاهيم كلماته ومدلولاتها .. وكلا الموقفين ينطوي على الفرار من مواجهة التناقض الذي يبدو حاسما في مواضع كثيرة بين نصوص (نهج البلاغة) وذلك الواقع الجديد.
فلم تقف هذه النصوص عند نقد وسيلة اختيار الخلفاء ، كما صورها الدكتور صبحي ملتمسا ذلك من بعض تعليقات ابن أبي الحديد (٢٣١).
بل في تعليقات ابن أبي الحديد ما يشير بوضوح إلى أن في كلامه (ع) ما يفيد تعيينه (ع) خليفة بالنص ، الأمر الذي استنكروا بعض لوازمه ، فاستنكروه لذلك! فيما حاول المعتزلة أن يتخذوا منه موقفا وسطا : قال ابن أبي الحديد : وأصحابنا يحملون ذلك كله على ادعائه الأمر بالأفضلية والأحقية ، وهو الحق والصواب ، فإن حمله على الاستحقاق بالنص تكفير أو تفسيق لوجوه المهاجرين والأنصار!
قال : ولكن الإمامية والزيدية حملوا هذه الأقوال على ظواهرها ، وارتكبوا بها مركبا صعبا!
ثم قال : ولعمري إن هذه الألفاظ موهمة مغلبة على الظن ما يقوله القوم ـ أي الإمامية والزيدية ـ لكن تصفح الأحوال يبطل ذلك الظن ، ويدرأ ذلك
__________________
(٢٣١) أحمد محمود صبحي / نظرية الإمامة : ٨٧.