دائما مقدمة على نصوص الشريعة! وتقدم قولنا أن أبا الحسن الكرخي إنما كان يحكي عن لسان حال المذهبية حين قال : (الأصل أن كل آية تخالف قول أصحابنا فإنها تحمل على النسخ ، أو الترجيح ، والأولى أن تحمل على التأويل من جهة التوفيق ، وكذا الحال مع الحديث)! (٢٣٥).
وإذا قدرنا أن كل مذهب من المذاهب الإسلامية المتعددة سوف يفعل مثل هذا إزاء كل نص يصطدم مع مقولاته ، فسوف نقترب من إدراك مدى الانحرافات الطارئة على مسار الإسلام فكرا وعقيدة!
لقد كان حريا بهم أن يوفقوا بين تلك النصوص وبين الثابت من أحوال صاحب النصوص وحقائق التاريخ ، ليخرجوا بالحكم الموضوعي المتماسك ، لكنهم أدخلوا إلى عناصر الحكم مصدرا آخر ، وهو مقدماتهم الاعتقادية التي ارتكزت عليها مذاهبهم وتميزت بها ، وهذا العنصر الأخير هو الأصل الثابت دائما وفق الرؤية المذهبية ، فلا يخرج عنه فهم لشئ من نصوص الشريعة ، أو استنباط شئ من أحكامها ، أو تفسير ظاهرة ما!
هذا الذي صرف المعتزلة إذن عن هذه النصوص.
غير أن لبعض طوائف المعتزلة كلاما قد يكون أقرب إلى التوفيق بين النص وأحوال صاحب النص ، منه إلى التأويل .. أبو القاسم البلخي وأصحابه قالوا : لو أن عليا نازع عقيب وفاة رسول الله (ص) وسل سيفه ، لحكمنا بهلاك كل من خالفه وتقدم عليه ، كما حكمنا بهلاك من نازعه حين أظهر نفسه ، ولكنه مالك الأمر وصاحب الخلافة ، إذا طلبها وجب علينا القول بتفسيق من ينازعه فيها ، وإذا أمسك عنها وجب علينا القول بعدالة من أغضى له عليها ، وحكمه في ذلك حكم رسول الله (ص) ، لأنه قد ثبت عنه في
__________________
(٢٣٥) أبو الحسن الكرخي / الأصول التي عليها مدار فروغ الحنفية : ٤ ، د. محمد أديب صالح / مصادر التشريع الإسلامي : ٢٨٧.