وسمعت من يقول : ما أتيتني فأحدثك فيما أستقبل ، فقلت له :
ما تريديه؟ فقال : أريد أن أقول : ما أتيتني فأنا أحدثك وأكرمك فيما أستقبل. وقال : هذا مثل : ائتني فأحدثك إن أراد :
ائتني فأنا صاحب هذا.
وسألته عن قول الله ـ تبارك وتعالى ـ : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً)(١) فقال : هذا واجب ، وهو تنبيه ، كأنك قلت : أتسمع أنزل الله من السماء ماء فكان وكان كذا ؛ وإنما خالف الواجب النفي ، لأنك تنقض النفي فتقول : ما أتيتني قط فتحدثني إلا بالبشر ، فقد نقضت نفي الإتيان إذا نصبت وتغير المعنى يعني أنك تنفي الحديث وتوجب الإتيان ، وزعمت أنه قد كان.
وتقول : ما تأتيني فتحدثني ، إذا أردت معنى : فكيف تحدثني ، فأنت لا تنفي الحديث ، ولكنك زعمت أن منه الحديث ، وإنما يحول بينك وبينه ترك الإتيان.
وتقول : ائتني فأحدثك ، فليس هذا من الأمر الأول في شيء.
وإذا قلت : قد كان عندنا فسوف يأتينا فيحدثنا ، لم تزد على أن جئت بواجب كالأول ، فلم يحتاجوا إلى (أن) لما ذكرت ، ولأن تلك المعاني لا تقع هاهنا ؛ ولو كانت (الفاء) و (الواو) و (أو) ينصبن لأدخلت عليها (الواو) و (الفاء) للعطف ، ولكنها ك (حتى) في الإضمار والبدل ، شبهت بها لما كان النصب فيها الوجه ، لأنهم جعلوه الموضع الذي يستعملون فيه إضمار (أن) بعد (الفاء) ، كما جعلوه في (حتى) ، إنما يضمر إذا أراد معنى الغاية ، وك (اللام) فيما كان ليفعل.
قال أبو سعيد : ((الكلام في الجواب ب (الفاء) من وجهين :
أحدهما الناصب للفعل.
والآخر إذا أضمر (أن) الناصبة للفعل (المضمرة) ، لم لا يجوز إظهارها؟ فأما الناصب فقال سيبويه : الناصب (أن) مضمرة بعد (الفاء).
وقال أبو عمر الجرمي : الواو ، والفاء ، وأو هي الناصبة بأنفسها.
وقال الفراء : (الفاء) تنصب في جواب الستة ، لأنها عطفت ما بعدها على غير شكله لمّا قيل : لا تظلمني فتندم ، دخل النّهي على الظلم ، ولم يدخل على الندم ، فحين
__________________
(١) سورة الحج ، الآية : ٦٣.