تلك الحروف (قد) لا تفصل الفعل بغيره ، وهي جواب لقوله : من فعل. كما كانت فعل جوابا ل (هل فعل؟) ، فإذا أخبرت أنه لم يقع ، ولما يفعل وقد فعل إنما هما لقوم ينتظرون شيئا ، فمن ثم أشبهت (قد) (لمّا) في أنها لا يفصل بينها وبين الفعل.
ومن تلك الحروف أيضا سوف يفعل لأنها بمنزلة السين في قولك سيفعل ، وإنما تدخل هذه السين على الأفعال ، وإنما هي إثبات لقوله : لن يفعل فأشبهتها في أن لا يفصل بينها وبين الفعل.
ومن تلك الحروف ربما وقلما وأشباهها ، وجعلوا رب مع ما بمنزلة كلمة واحدة. (وهيئوها ليذكر بعدها الفعل ، لأنه لم يكن لهم سبيل إلى رب تقول ولا إلى (قل يقول) : فألحقوهما (ما) وأخلصوهما للفعل ، ومثل ذلك (هلّا) ولو لا و (ألّا) ألزموهن (لا) وجعلوا كل واحدة مع (لا) بمنزلة حرف واحد ، فأخلصوهن للفعل ، حيث دخل فيهن معنى التخصيص ، وقد يجوز في الشعر تقديم الاسم ، قال :
صددت فاطولت الصدود وقلّما |
|
وصال على طول الصّدود يدوم (١) |
واعلم أنه إذا اجتمع بعد حروف الاستفهام. نحو (هل) و (كيف) و (من) ـ اسم وفعل كان الفعل بأن يلي حرف الاستفهام أولى ؛ لأنها عندهم في الأصل من الحروف التي يذكر بعدها الفعل ، وقد بيّن حالها فيما مضى.
قال أبو سعيد قول سيبويه : لا يفصل بين الفعل وقد بغيره أراد على وجه الاختيار ، وموضوع قد لأن منزلة قد في الفعل ، كمنزلة الألف واللام من الاسم لأن دخولها على فعل متوقع أو مسؤول عنه ، لأنه إذا قال : قد قام زيد ، فإنما يقوله لمن توقع قيامه ، أو لمن سأل عنه ، فقال : هل قام زيد ، وإذا قال : قام زيد ، فإنما يبتدئ إخبارا بقيامه لمن لم ينتظره ، ولم يتوقعه ، فأشبهت (قد) العهد في قولك : جاءني الرجل لمن عهده المتكلم أو جرى ذكره عنده قبل ذلك كقولك : ناظرت اليوم رجلا فقال لي الرجل في مناظرته كذا وكذا ، ومما يوجب أن لا يفصل بينها وبين الفعل ، أنها تفيض (لما) ، و (لما) حرف جازم تقول : ركب زيد ولما يتعمم ، فيقول الراد عليه : بل ركب زيد وقد تعمم ، ومعناه ركب وهذه حاله ، إلا أنهم أجازوا الفصل بينها وبين الفعل.
__________________
(١) البيت ورد منسوبا إلى الفقعسي في ديوانه ٤٨٠ ، الكتاب ١ / ٣١ ، ٣ / ١١٥ ؛ المقتضب ٢ / ٨٤ ؛ همع الهوامع ٢ / ٨٣ ، ٢٢٤.