يقول ذاك إلا زيدا ، لا يكون فيه إلا النصب ؛ لأن الضرب هو المنفي في المعنى والقول ليس بمنفي ... ألا ترى أنك تقول : " ما أوذي أحدا يوحد الله تعالى" وقد علم أنه لم يقصد إلى نفي من يوحد الله. وإنما نفي أداة لهم ، فلم يجز البدل إلا من" أحد" لأنه هو الذي وقع به الفعل المنفي وهو الأذى.
وقوله : " أقل رجل يقول ذاك إلا زيد" لا يصح البدل من لفظه ؛ لأنا إن أبدلنا" زيدا" من" أقل رجل" لطرحناه في التقدير فبقي : " يقول ذاك إلا زيد" وهذا لا يصح ولكنا نرده إلى معناه ونفصّله بما يصح معه البدل." وأقل" ينصرف على معنيين.
أحدهما : النفي العام.
والآخر : ضد الكثرة.
فإذا أريد النفي العام جعل تقديره : ما رجل يقول ذاك إلا زيد. كما تقول : " ما أحد يقول ذاك غلا زيد".
وإن أريد به ضد الكثرة فتقديره : " ما يقول ذاك كثير إلا زيد" ومعناهما يؤول إلى شيء واحد ؛ لأنه إذا أبدل زيدا في الاستثناء فقد أبطل الذي قبله ، فكأنه يقول : " ما يقول ذاك إلا زيد ، ألا ترى أنه إذا قال : " ما أتاني القوم إلا زيد" فكأنه قال : ما أتاني أحد منهم إلا زيد.
وقوله وكذلك" أقل من"" وقلّ من" إذا جعلت من نكرة بمنزلة" رجل" فإن" من" إذا كانت بمنزلة" رجل" لزمته الصفة ، فإذا قلت : أقل من يقول ذاك ، صار يقول ذاك" صفة لمن" ويبقى" أقل" بلا خبر. وإذا قلت : أقل رجل يقول ذاك" فرجل" غير محتاج إلى صفة." ويقول ذاك" خبر" أقل". و" زيد" بدل من" أقل" كما ذكرنا.
وأقل من يقول ذاك ، لم يتم به الكلام ، وتمامه في قولك : " إلا زيد" فيصير بمنزلة" ما أخوك إلا زيد".
وأما" قول من يقول ذاك" فهذا كلام تام ؛ لأنه فعل وفاعل.
فإن قال قائل : لم أبدلت العرب من المنفي ولم تبدل من الموجب فيقال : أتاني القوم إلا زيد؟
قيل له : لأن المنفي يصح حذف الاسم المبدل منه قبل" إلا" ولا يصح ذلك في الموجب. لا يقال : أتاني إلا زيد. وإنما جاز : ما أتاني إلا زيد .. ولم يجز" أتاني إلا زيد" لأن النفي الذي قبل إلا قد وقع على ما لا يجوز إثباته من الأشياء المتضادة. ولا يجوز إثبات ما يتضاد.