الموضوع له كفيلة بتحقيق هذا الغرض. وأمّا الاستعمال المجازي فهو لا ينقل ذهن السامع إلى المعنى ، إذ لا توجد علاقة لغوية وسببية بين لفظ «البحر» و «العالم» ، فيحتاج المستعمل لكي يحقّق غرضه في الاستعمال المجازي إلى قرينةٍ تشرح مقصوده ، فإذا قال مثلاً : «بحر في العلم» كانت كلمة «في العلم» قرينةً على المعنى المجازي ، ولهذا يقال عادة : إنّ الاستعمال المجازي يحتاج إلى قرينةٍ دون الاستعمال الحقيقي.
وقد لاحظ الاصوليون بحقٍّ أنّ الاستعمال المجازي وإن كان يحتاج إلى قرينةٍ في بداية الأمر ولكن إذا كثر استعمال اللفظ في المعنى المجازي بقرينةٍ وتكرّر ذلك بكثرةٍ قامت بين اللفظ والمعنى المجازي علاقة جديدة ، وأصبح اللفظ نتيجةً لذلك موضوعاً لذلك المعنى ، وخرج عن المجاز إلى الحقيقة ، ولا تبقى بعد ذلك حاجة إلى قرينة.
وهذه الظاهرة يمكننا تفسيرها بسهولةٍ على ضوء طريقتنا في شرح حقيقة الوضع والعلاقة اللغوية ؛ لأنّنا عرفنا أنّ العلاقة اللغوية تنشأ عن اقتران اللفظ بالمعنى مراراً عديدةً أو في ظرفٍ مؤثّر ، فاذا استعمل اللفظ في معنىً مجازيٍّ مراراً كثيرةً اقترن تصور اللفظ بتصور ذلك المعنى المجازي في ذهن السامع اقتراناً متكرّراً ، وأدّى هذا الاقتران المتكرّر إلى قيام العلاقة اللغوية بينهما ، كما قامت العلاقة بين اسم النوفلي واسم السكوني.
تنقسم كلمات اللغة ـ كما قرأتم في النحو ـ إلى اسمٍ وفعلٍ وحرف ، وقولنا :