التخيير العقلي أو الشرعي ، إلّا بخصوصيات غير واصلة ، فلو كان زائداً عليه في الأثر لكان معنى هذا أنّ تلك الخصوصيّات غير الواصلة مؤثّرة ، وهو محال.
وإذن فكما أنّ الإلزام بطبيعيّ صلاة الظهر يكون الإتيان بأحد مصاديقها انبعاثاً عنه كذلك الإلزام بالجامع بين الجمعة والظهر ـ الذي هو المقدار المعلوم في المقام ـ يكون الإتيان بالظهر فقط انبعاثاً عنه ، بمعنى أنّه إتيان بما يقتضيه عقلاً. وإذن فالانبعاث بأحد الفعلين انبعاث عن المقدار المعلوم ، وليس الانبعاث عنه بالإتيان بكلا الفعلين. نعم ، الانبعاث عن التكليف الواقعي في وجدان العقل إنّما يكون بإيجاد الفعلين معاً.
والحاصل : أنّ معنى الانبعاث عن تكليفٍ هو الإتيان بما يقتضيه عقلاً ، والإلزام بالجامع المعلوم في المقام إنّما يقتضي عقلاً الإتيان بأحد الفعلين ، لا غير ، فيكون الإتيان بأحدهما انبعاثاً عن المقدار المعلوم وتوفيةً لما هو حقّه عقلاً من الحركة.
سادسها : أنّ تنجّز الجامع يوجب تعارض الاصول في الأطراف وتساقطها ، فتجب الموافقة القطعية.
ولا يخفى أنّ هذا ليس تقريباً لتنجيز العلم الإجمالي للواقع ، بل هو تقريب لتنجّزه بالاحتمال بعد تعارض الاصول ، وهو مبنيّ على تسليم وقوع المعارضة في الأطراف ، وسوف يأتي ما هو الحقّ في ذلك في الناحية الثانية.
هذا كلّه ما وصل إلى ذهني القاصر لإثبات عدم تنجّز الواقع بالعلم الإجمالي ، ودفع جميع ما افيد من التقريبات ، فافهم واغتنم.
ومما ذكرناه ظهر : أنّه لا يفرّق في ما ادّعيناه من إنكار تنجّز الواقع بالعلم الإجمالي بين القول بتعلّقه بالجامع أو بالواقع على سبيل الإجمال ؛ لِمَا عرفت من أنّ العلم الإجمالي لو كان عبارةً عن صورةٍ إجماليةٍ للواقع لَما صلح لتنجيزه أيضاً.