العلم الإجمالي لقبح المخالفة القطعية ، فبعد البناء على هذا لا مجال لجريان الاصول في تمام الأطراف المؤدّي إلى الإذن فيها.
والتحقيق : أنّه لا ينبغي الشكّ في أنّ جريان الاصول المؤمِّنة في تمام الأطراف إذا أدّى إلى الترخيص في المخالفة القطعية يكون ممتنعاً ، بعد ما اتّضح في الناحية الاولى من استقلال العقل بقبح المخالفة القطعية ، وعلِّية العلم الإجمالي لذلك ، فالحريّ بنا أن نبحث عن أنّ جريانها في جميع الأطراف هل يؤدّي إلى ذلك ليكون ممتنعاً ، أوْ لا؟
والإنصاف : أنّ للمنع عن تأديته إلى ذلك مجالاً واسعاً ، فإنّ جريان الاصول في تمام الأطراف لا ينافي حرمة المخالفة القطعية ، وعلِّية العلم الاجمالي لتنجيزها وقبحها أصلاً ، من دون فرقٍ بين الأصل العقلي ـ أي قاعدة قبح العقاب بلا بيانٍ ـ أو الأصل الشرعي النافي ، كالبراءة أو الاستصحاب.
فالكلام إذن يقع : تارةً في جريان البراءة العقلية في تمام الأطراف ، واخرى في جريان البراءة الشرعية كذلك ، وثالثةً في جريان الاستصحاب النافي في الجميع.
أمّا الأول ـ أي البراءة العقلية ، وقاعدة قبح العقاب بلا بيانٍ ـ فقد اتّضح في الناحية الاولى أنّ موضوعها في كلٍّ من الطرفين في نفسه محقَّق ، إذ العلم الإجمالي إنّما يكون بياناً للجامع فقط ، كما عرفت ، فكلّ طرفٍ لم يتمَّ البيان عليه ، وإنّما تمّ البيان على الجامع ، إلّا أنّه قد يتوهّم أنّ موضوعها في كلّ طرفٍ وإن كان محقّقاً لعدم تمامية البيان عليه إلّا أنّ إجراء القاعدة في كلٍّ من الطرفين معاً ينافي الحكم باستحقاق العقاب على المخالفة القطعية ، إذ أنّ إجراء البراءة العقلية عن