حبّ الناس / ٢
وطّنت النفس على مفهوم لا أعلم تخومه ونهاياته وأجهل به المصير والمقصد ، ولعلّ الحقيقة ما كانت تحتاج التوطين حتى ، نعم «ليس هامّاً أن أكون أو لم أكن» سواء حضرتُ أم غبت. هذا المفهوم ذو جزأين :
أحدهما : أن أعرف نفسي وقدرها ولا أزجّها في ما ليس يعنيها ، فلا أطير بكبريائي في اُفق الوهم والغرور ، ولا أشمخ بأنفي فرحاً مستبشراً بخيال لا واقع له .. وهذا ما يسمح لي بورود فضاء الاتّزان والعقلانيّة والاطمئنان الذاتي والقناعة وسلامة التفكير والاستنتاج.
ثانيهما : أن أتكيّف على آلام الوحدة والغربة ومعاناة الإهمال ، حيث لا أنيس ولا همسة حبّ وحنان ، فحتى الذي كنت تتوسّم فيه دفء المشاعر والأحاسيس ـ فافترشتَ له القلبَ دربَ انتظار والعيونَ غطاءَ ذود واحتراس ـ لمّا جاء بعثر بجفائه صور الماضي الجميل ، فاغتال أنفاس الذكريات وعنفوان الخاطرات. أمّا الذي نخت برحلك عنده بعد ذاك الانتظار ووهبته الحبّ وكلّ الوفاء فلم يرفدك بالذي كنت تحلم فيزيل عنك الشقو والعناء.