وإنما يتبين تأنيث المؤنث الذي لا علامة فيه بما يخبر عنه من الفعل كقولك : (لسبته العقرب) وهذه (العقرب) و (العقرب رأيتها) وما أشبه ذلك من الضمائر التي تدل على المؤنث ، فلما لم يخبر عن قدّام و" وراء" بما يدل ضميرهما عليه من التأنيث جعلوا علامة التأنيث في التصغير.
هذا باب ما يحقر على غير بناء مكبره والمستعمل في الكلام
قال سيبويه : فمن ذلك قول العرب في (مغرب) الشمس : (مغيربان) الشمس ، وفي (العشيّ) : أتيتك (عشيّانا) وسمعنا من العرب من يقول في (عشيّة) : (عشيشية) كأنهم حقروا (مغربان) و (عشيان) و (عشّاة) لأن (عشيّان) تصغير (عشيان) كما تقول (سعدان) و (سعيدان) و (عشيشية) تصغير (عشّاة) لأن فيها شينين تفصل بينهما ياء التصغير.
وقال : وسألت الخليل عن قولك : أتيتك (أصيلالا) فقال : إنما هو (أصيلان) وتصديق ذلك قول العرب : أتيتك (أصيلانا) ، وسألته عن قول (بعض) العرب : آتيك (عشيّانات) و (مغيربانات) فقال : جعل ذلك الحين أجزاء ؛ لأنه حين كلّما تصوبت فيه الشمس ذهب منه جزء فقال : (عشيّانات) كأنهم سموا كل جزء" عشيّة"
قال أبو سعيد : هذا الباب من نوادر التصغير وشواذه ، وشذوذه من غير وجه فمنه ما هو على غير حروف مكبرة ، ومنه ما يصغر على لفظ الجمع ومكبره واحد. ومنه ما يصغر على جمع لا يصغر على ذلك الجمع مثله.
ومن طريف هذا الباب أن جميع ما وقع فيه هذا الشذوذ من أسماء (العشايا) فقط فأما تغيير البناء فقال فيه بعض النحويين أنه لما خالف معنى التصغير فيه معنى التصغير في غيره من الأيام خولف بلفظه كما فعل ذلك في ياء النسبة ، ومخالفة معناه لغيره أن تصغير اليوم فيما ذكرنا يقع لأحد أمرين :
إذا قلنا : (يويم) وإذا قلنا : (عويم) أو (سويعة) لتصغير (عام) أو (ساعة) أو (سنيّة) لتصغير (سنة) إنما هو أن تريد ب (يويم) قصيره أو قلة الانتفاع فيه ، وقد ذكرنا هذا في ما مضى مشروحا وقولهم : (مغيربان) الشمس إنما تصغيره للدلالة على قرب باقي النهار من الليل.
كما أنك لو نسبت إلى رجل اسمه (جمّة) أو (لحية) أو (رقبة) لقلت : (جمّيّ) و (لحّييّ) و (رقبيّ) ، فإن كان رجل طويل (الجمّة أو اللّحية) أو (غليظ) الرّقبة وأردت