هذا باب النون الثقيلة والخفيفة من فعل الاثنين وفعل جميع النساء
قال أبو سعيد : أما الثقيلة فإنها تدخل في فعل الاثنين وفعل جميع النساء ، فالاثنان كقولك : (اضربان زيدا) ، وكقوله : (وَلا تَتَّبِعانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ)(١) و (هل تفعلانّ ذلك) وتذهب نون الرفع هاهنا كما ذهبت في فعل الجميع.
وإنما تثبت الألف في (تذهبانّ) ولا تسقط لاجتماع الساكنين لأنها لو سقطت لأشبه فعل الاثنين فعل الواحد ؛ ولأن الذي بعد الألف حرف مشدد فجاز ذلك فيه ، كما جاز في (دابّة) و (الضّالّين) وجعل الحرف المشدد كالحرف الواحد المتحرك ، وجعل المد في الألف كالعوض من الحركة ولم يسقطوا الألف لاجتماع الساكنين كما أسقطوا الواو في (أضربنّ زيدا) و (اضربنّ زيد يا امرأة). ولو قال : (" اضربون زيدا) و (اضربين يا امرأة) لما كان خارجا عن القياس لأنهم يقولون : " تمود الثّوب" و" أصيمّ" و" مديقّ" في تصغير" أصم" و" مدق" غير أن الحذف أولى وأخف فيما لم يشكل وإذا أشكل كان الإثبات أولى فقالوا : " لا تتبعان" فأثبتوا الألف ، لأنهم لو حذفوها لاجتماع الساكنين صار : " لا تتبعنّ" (ووقع لبس) وفي (اضربنّ) و (اضربنّ) لا يقع لبس.
وحذفوا نون الرفع مع نون التوكيد ؛ لأن الواحد في" تضربن" مبني على الفتح ونظير الفتح الذي هو النصب في المعرب حذف النون كقولك : (زيد لن يقوم يا هذا) و (الزيدان لن يقوما) ، و" (الزيدون لن يقوموا) فصار حذف النون بمنزلة النصب وكذلك يصير حذف النون في المثنى بمنزلة الفتح.
ومما احتج به سيبويه أنه بمنزلة (راد ويراد) جعل النون المشددة بمنزلة الدال المشددة في (يراد) ولم تسقط الألف.
وقال : " ولم يكن لحاق الآخر بعد استقرار الأول".
يعني أنه لو كان إحدى النونين أو إحدى الدالين من (راد) وقعت ساكنة بعد الألف وجب حذف الألف كما وجب في (" لم يخف) و (لا تخف) ولو تحركت الفاء بعد ذلك الساكن كقولك : (لم يخف الرجل) لم ترد الألف الذاهبة بعد الفاء.
فإن قال قائل : فلم تثبت الواو في (تمودّ) و (تحوّد) فيما لم يسم فاعله من قوله : (مَنْ يُحادِدِ اللهَ وَرَسُولَهُ)(٢) ولم تثبت الواو والياء في (اضربنّ) و (أضربنّ)؟
قيل له : لأن الواو في (تمودّ) وما جرى مجراه منقلبة من ألف" ماددت" فكأنها ألف
__________________
(١) سورة يونس ، الآية : ٨٩.
(٢) سورة التوبة ، الآية : ٦٣.