مجرى ما يتعدى ، وإن كان لا يتعدى ، كقولك : سخط يسخط وهو ساخط ، وخشي يخشى وهو خاش ، وكان الأصل سخط منه ، كما تقول : غضب منه ، وخشي منه ، كما تقول : وجل منه ، فجعلوا خشي وهو خاش كقولهم : رحم وهو راحم ، ولا يقدر في رحم حرف من حروف الجر ، ومعنى قول سيبويه : " فلم يجيئوا باللفظ كلفظ ما معناه كمعناه" ، يريد ، لم يقولوا : خش ، كما قالوا : فرق ووجل.
وقوله : " ولكن جاءوا بالمصدر والاسم على ما بناء فعله كبناء فعله"
يعني بالمصدر الخشية ، والاسم يعني الخاشي. فالخشية بمنزلة الرحمة في وزنها ، والخاشي كالراحم في وزنه ، وبناء خشي يخشى كبناء رحم يرحم ، وهو ضده. وقد يحمل الضد في اللفظ على ما يضاده لتلبسهما بحيز واحد وإن كانا يتنافيان في ذلك الحّيز ، كالألوان المتضادة والروائح والطعوم المتضادات.
قال سيبويه : " وجاءوا بضد ما ذكرنا على بنائه" قال : " وقالوا : أشر يأشر أشرا وهو أشر ، وبطر يبطر بطرا وهو بطر ، وفرح يفرح فرحا وهو فرح ، وجذل يجذل جذلا وهو جذل" بمعنى فرح." وقالوا : جذلان وجذل ، كما قالوا : سكران وسكر ، وكسلان وكسل ، وقالوا : نشط ينشط وهو نشيط ، كما قالوا : الحزين ، وقالوا : النشاط ، كما قالوا : السقام ، (وجعلوا السّقام) والسقيم كالجمال والجميل. وقالوا : سهك يسهك سهكا وهو سهك ، وقنم يقنم قنما وهو قنم ، جعلوه كالداء لأنه عيب. وقالوا : قنمة وسهكة".
والقنمة الرائحة المنكرة ، ويروى أن بعض الأعراب كان تؤخذ عنه العربية بالبصرة ، وكان أهل العلم يتبعونه ليأخذوا ألفاظه ، وكانت به لوثة وضعف في عقله وتقزز فصعد يوما على تل من السّماد ، وبسط شيئا معه عليه ، وجلس وهم حوله ، فارتفعت رائحة منتنة ، فتأفف من الرائحة وقال : ما هذه القنمة ، والله لكأننا على حششة فقال له أبو الخطاب الأخفش : أنك منها على ثبج عظيم.
" وقالوا : عقرت عقرا ، كما قالوا : سقمت سقما. وقالوا : عاقر ، كما قالوا : ماكث"
قال أبو سعيد : وليس الباب فيما كان على فعل يفعل أن يجئ على فاعل ، فإذا جاء شيء منه على فاعل فهو محمول على غيره ، وهو قليل ، كقولهم : فره العبد يفره فهو فاره ، وعقر فهو عاقر.