كقولك : طال يطول فهو طويل ، قال الشاعر :
إنّ الفرزدق صخرة عادية |
|
طالت فلا تسطيعها الأوعالا (١) |
يعني طالت الأوعال ، على معنى غلبتها في الطول ، فهذا الباب في فاعلت.
قال سيبويه : " وقد يجيء فاعلت لا تريد به عمل اثنين ، ولكنهم بنوا عليه الفعل كما بنوه على أفعلت ، كقولك : ناولته وعاقبته وعافاه الله وسافرت وظاهرت"
ومعنى ظاهرت عليه ، أي أضعفت عليه لباسه ، كقولك : ظاهر عليه درعين وثوبين ، أي جعل أحدهما ظهارة والآخر بطانة ، ومن هذا قولهم : تظاهرت نعم الله عليه ، وظاهرت كتبه إليه أي تابعت بعضها لبعض فصار بعضها أظهر لبعض ، فصارت هذه الأفعال كسائر الأبنية التي ترد فيما يتعدى من الأفعال كقولك : أكرمته وما أشبه ذلك.
" وقالوا : ضاعفت وضعّفت ، وناعمته ونعّمته ، كما قالوا : عاقبته ، وتقول : تعاطينا تعطّينا ، فيكون تعاطيه من اثنين"
وكأنك قلت : عاطيته الكأس ، أي أعطاني كأسا فأعطيته مثلها ، فإذا قلت : تعطّينا فقد أردت التكثير في هذا المعنى.
قال : " ولا يجوز أن يكون معملا في مفعول ولا يتعدى الفعل إلى منسوب ، ففي تفاعلنا يلفظ بالمعنى الذي كان في فاعلته ، وذلك قولك : تضاربنا وتقاتلنا"
قال أبو سعيد : اعلم أن فاعلته يجوز أن يكون من فعل متعدّ إلى مفعول ثان غير الذي يفعل بك مثل فعلك ، ويجوز أن لا يكون متعديا إلى غيرك ، والذي لا يكون متعديا أكثر ، كقولك : ضاربت زيدا أو شاتمته ، وليس بعد زيد مفعول آخر ، فإذا قلت تضاربنا وتشاتمنا فقد ذكرت فعل كل واحد منكما بالآخر ولا مفعول غيركما ، وهو الذي أراد سيبويه أنه لا يكون معملا في مفعول.
وقد يجوز أن يكون الفعل متعديا إلى مفعولين في الأصل ، فيؤتى بمفعول آخر في قولك : فتفاعلنا ، وذلك قولك : عاطيت زيدا الكأس ونازعته المال ، فإذا جعلت الفعل لنا قلت : تعاطينا الكأس وتنازعنا المال ، قال الشاعر :
فلمّا تنازعنا الحديث وأسمحت |
|
هصرت بغصن ذي شماريخ ميّال (٢) |
وقال الأعشى :
__________________
(١) قال الأعلم في هامش سيبويه : ٢ / ٣٥٦ ، وانظر آمال الشجري : ١ / ١٩٤ ، والمنصف : ٣ / ٤١.
(٢) قائله امرؤ القيس في ديوانه ٣٢.