قبلها بحركة ما ارتفع من الحروف ، فجعلوا حركتها من الحرف الذي في حيزها وهو الألف ، وإنما الحركات من الألف والياء والواو إذ كنّ عينات ، وكذلك حّركوهنّ.
قال أبو سعيد : اعلم أن هذه الحروف التي من الحلق هي مستفلة عن اللسان ، والحركات ثلاث : الضم والكسر والفتح ، وكل حركة منها مأخوذة من حرف من الحروف ، فالضمة مأخوذة من الواو ، والكسرة من الياء ، والفتحة من الألف ، ومخرج الواو من بين الشفتين ، والياء من وسط اللسان ، والألف من الحلق ، فإذا كانت حروف الحلق عينات أو لامات ثقل عليهم أن يضموا أو يكسروا ، لأنهم إذا ضموا فقد تكلّفوا الضمة من بين الشفتين ؛ لأن منه مخرج الواو ، وإن كسروا فقد تكلّفوا الكسرة من وسط اللسان ، وإن فتحوا ، فالفتحة من الحلق ، فثقل الضم والكسر ، لأن حرف الحلق مستعل والحركة عالية متباعدة منه ، فحركوه بحركة من موضعه وهي الفتح ، لأن ذلك أخف عليهم وأقل مشقة. وكان الأصل فيما كان الماضي منه على فعل أن يجيء مستقبله على يفعل أو يفعل ، نحو : ضرب يضرب ، وقتل يقتل ، وإنما يجيء مفتوحا فيما كان في موضع العين واللام منه حرف من حروف الحلق لما ذكرته لك من العلة. وقد يجيء ما كان في موضع العين واللام منه حرف من حروف الحلق على الأصل ، فيكون على فعل يفعل ، وفعل يفعل. وقد ذكر سيبويه منه أشياء ، فمن ذلك قولهم : برأ يبرؤ. ويقال : برأ الله الخلق يبرؤهم ويبرؤهم ، ولم يأت مما لام الفعل منه همزة على فعل يفعل غير هذا الحرف.
وقالوا : هنأ يهنئ ، كما قالوا : ضرب يضرب تجيء هذه الأفعال على فعل يفعل ويفعل في الهمز أقل ، " لأن الهمز أقصر الحروف وأشدها سفولا ، وكذلك الهاء ، لأنه ليس في الستة أقرب إلى الهمزة منها وإنما الألف بينهما. وقالوا : نزع ينزع ورجع يرجع ، ونضح ينضح ، ونبح ينبح ، ونطح ينطح ومنح يمنح" ، كل ذلك على مثال ضرب يضرب.
وقالوا : جنح يجنح ، وصلح يصلح ، وفرغ يفرغ ، ومضغ يمضغ ، ونفخ ينفخ ، وطبخ يطبخ ، ومرخ يمرخ" ، كل ذلك على مثال قتل يقتل.
وما كان من ذلك فيه الخاء والغين فيفعل ويفعل فيه أكثر منه في غيرهما ، لأنهما أشد الستة ارتفاعا وأقربها إلى حروف اللسان. ومن أجل ذلك أخفى بعض القراء النون الساكنة قبلهما في مثل قوله عزوجل : (مِنْ خَوْفٍ)(١) ، وما أشبه ذلك.
__________________
(١) سورة قريش ، الآية : ٤ ، وهي قراءة نافع انظر روح المعاني ٣٠ / ٢٤١.