يجوز لنا أن نبني مثلهم وإن كانت العرب لن تبنيه ، كقائل قال لنا : كيف تبني من ضرب مثال جعفر؟ فالجواب ضربب وليس في كلام العرب وضربب ولكن في كلامهم مثاله وهو جعفر. وكذلك قيل لنا : ابنوا مثل جحنفل من ضرب قلنا : ضرنبب ، وليس في كلامهم ضرنبب ، ولكن في كلامهم مثاله وهو جحنفل وشرنبث وما أشبه ذلك ولو قال : ابنوا من ضرب مثل جالينوس لم نبن منه هذا المثال ولم يجز ذلك ، وذلك أن العرب لما تجنبت هذا المثال وما أشبهه من الأمثلة التي ليست في كلامهم تميزت أمثلة كلام العرب من غيرها حتى لو ورد علينا شيء ليس في كلام العرب مثاله لرددناه وأنكرنا أن يكون من كلام العرب ، فإذا كان الذي يدلنا على أن الكلمة ليست من كلام العرب خروجها عن أمثلتهم لم يجر أن نبني مثالا غير مثالها ، فيكون خارجا عن كلام العرب.
وإنما نريد أن نتكلم بكلامها ونقيس عليه ونقتدي به. وأما الأخفش فإنه كان يجيز أن نبني من كلام العرب أمثله ليست في كلامها على قياس أمثلتها من الصحيح والمعتل ، وذلك أنه لو سئل كيف نبني من ضرب مثال فعل لقال ضرب وليس في كلام العرب فعل.
واحتج في ذلك بأن من يخالفه قد بنى مثل فعل من ضرب فقال ضرب ، وضرب لا معنى له في كلام العرب ، فإذا جاز أن نبني ما ، لا نظير له من الأمثلة. ومما يحتج له في ذلك أن القائل لو قال : ابنوا لي مثل جالينوس من ضرب فهو لم يسألنا أن نجعل هذا البناء من كلام العرب أو يلحق به وإنما سألنا أن نكرر من حروف ضرب ونجعل فيه من الزوائد ما يصيره على مثال جالينوس ، فجاز أن نفعل ذلك وإن لم يستعمل في الأبنية كلها قياس استعمال العرب فيها استعملت فيه. وقال الجرمي : لا نبني من الكلام شيئا لم تبنه العرب ، وذلك أن متى بنينا من ضرب فعل مثل كبد ، أو فعلل مثل جعفر فقلنا ضرب أو ضربب كنا قد أتينا بما لا معنى له ولا تتحصل به فائدة ومنا لا معنى له ساقط لا وجه للتشاغل به فسقط كثير من تعب التصريف على قول أبي عمر الجرمي.
ومعنى قول سيبويه : " وما قيس من المعتل الذي لا يتكلمون به ولم يجئ في نظيره من غير باب".
يريد ما قاسه النحويون على الأمثلة التي تكلمت بها العرب مما لم تتكلم به ، كقول القائل : ابن لي من" غزا" مثل" دحرج" ، فجوابه" غزوى" وهو معتل ، ولم يجئ في كلامهم غزوى وإنما جاء نظيره وهو سلقى. وأما التصريف فهو تغيير الكلمة بالحركات والزيادات والقلب للحروف التي رسمنا جوازها حتى تصير على مثال كلمة أخرى ، والفعل بمثلها بالكلمة ووزنها به كقوله ابن لي من ضرب مثل جلجل فوزنا جلجل بالفعل فوجدناه فعلل