والذي قاله غلط ؛ لأن الحروف قد تتآخى باتفاقات بينها على غير جهة كونها في حيز واحد وغير التجاوز في المخرج لاشتراكهما في الغنة ، وقد تقلب الهمزة واوا وياء وليست من مخرجهما كقولك في مؤمن وجؤنة وذئب وبئر مومن وبير وقد كفانا امتحان ذلك ؛ فإنه كالمشاهد لأنك لو بدأت بحرف مفتوح ثم وصلت به واوا أو ياء أو ألفا ، ثم وقفت تبين لك اختلاف مخارجها نحو قولك : لولا لا وهذا لا يحتاج إلى إقامة البراهين عليه.
وأما ما ذكره صاحب كتاب العين في المخارج فذكرت جملته ليوقف عليه وكرهت شرحه ، والكلام عليه ؛ لأن القصد في هذا الكتاب تفسير كلام سيبويه.
قال سيبويه : فأما المجهورة فالهمزة والألف والعين والغين والقاف والجيم والضاد واللام والنون والراء والطاء والدال والزاي والظاء والذال والباء والميم والواو ؛ فذلك تسعة عشر حرفا.
فأما المهموسة فالهاء والحاء والخاء والكاف والسين والصاد والتاء والثاء والفاء فذلك عشرة أحرف.
فالمجهورة حرف أشبع الاعتماد في موضعه ومنع النفس أن يجري معه حتى ينقضي الاعتماد عليه ، ويجري الصوت فهذه حال المجهورة في الحلق والفم ؛ إلا أن النون والميم قد يعتمد لهما في الفم والخياشيم فتصير فيهما غنة ، والدليل على ذلك أنك لو أمسكت بأنفك ثم تكلمت بهما لرأيت ذلك قد أخل بهما.
وأما المهموس فحرف أضعف الاعتماد في موضعه حتى جرى معه النفس ؛ فأنت تعرف ذلك إذا اعتبرت ورددت الحرف مع جري النفس ولو أردت ذلك في المجهور لم تقدر عليه.
فإذا أردت اعتبار الحرف فأنت ترفع صوتك إن شئت بحروف المد وبما فيها منها ، وإن شئت أخفيت.
قال أبو سعيد ـ رحمهالله ـ سمى سيبويه هذه الحروف مجهورة لما فيها من إشباع الاعتماد المانع من جري النفس معه عند الترديد لأن قوة الصوت باقية أخذه سيبويه من الجهر وسمي الحروف الأخر مهموسة ، لأن الهمس الصوت الخفي فلضعف الاعتماد فيها وجري النفس مع ترديد الحرف تضعف.
وقد جعلت لحروف الهمس كلمتين وهما ستشحثك خصفه يجمعانها في الأصل ليسهل حفظهما لأن الناظر في النحو ليس يكثر الاعتياد لها.