وكان العلم بأنها نون من ذلك الموضع مثله إذا كانت من الفم ؛ لأنه ليس حرف يخرج من ذلك الموضع غيرها ؛ فاختاروا الخفة إذا لم يكن لبس وذلك قولك من كان ومن قال ، ومن جاء.
قال أبو سعيد ـ رحمهالله ـ : جملة قول سيبويه أن النون تخفى إذا كانت ساكنة قبل خمسة عشر حرفا من حروف الفم وهي القاف والكاف والجيم والشين والضاد والصاد والسين والزاي والطاء والدال والتاء والظاء والذال والثاء والفاء.
ومن الناس من يخفيها قبل الغين والخاء ، وإنما أخفاها عند هذه الحروف ؛ لأنها حروف الفم وللنون مخرج من الفم فصارت هذه الحروف ملابسة للنون باشتراكهن في الفم ومع ذلك أن النون تدغم في حروف من حروف الفم والإخفاء في طلب الخفة كالإدغام في طلب الخفة ؛ فلما أمكن استعمال الخيشوم وحده في النون ثم استعمال الفم فيما بعده كان ذلك أخف من أن يستعملوا الفم في إخراج النون ثم يعودوا إلى الفم فيما بعد النون وهذا معنى قوله : كان أخف عليهم أن لا يستعملوا ألسنتهم إلا مرة.
ولا يقع لبس في خروجها من الخيشوم ، وإنما ساغ هذا في حروف الفم خاصة دون حروف الحلق لقرب مدخل الخيشوم ، ومخرجه من حروف الفم دون حروف الحلق.
قال : وهي يعني النون مع الراء واللام والياء والواو إذا أدغمت بغنة فليس مخرجها من الخياشيم ؛ لأنها لا تدغم في شيء من الحروف حتى يحول من جنس ذلك الحرف ؛ فإذا أدغمت في حرف فمخرجه مخرج ذلك الحرف ولا يمكن إدغامها في هذه الحروف حتى تكون مثلهن سواء في كل شيء.
وهذه الحروف لا حظ لها في الخياشيم ، وإنما يشرب صوت الفم غنة ، ثم ذكر حروف الحلق وهي الهمزة والهاء والعين والغين والخاء.
وأن النون قبلها بنية موضعها من الفم قال : وذلك أن هذه الحروف تباعدت وليس من قبيلها فلم تخف هاهنا ، كما أن حروف اللسان لا تدغم في حروف الحلق ، وإنما خفيت مع حروف الفم كما أدغمت في اللام وأخواتها.
قال أبو سعيد ـ رحمهالله ـ : اعلم أن حروف الحلق أشد علاجا وأصعب إخراجا وأحوج إلى تمكين آلة الصوت من غيرها ، ومن أجل ذلك لا يمكن النطق بأربعة أحرف من حروف الحلق ، وهي الهمزة والهاء والعين والحاء إذا كان قبلها النون الساكنة التي مخرجها من الخيشوم ؛ لأنه لا علاج في إخراجها ولا اعتماد وإخراج حروف الحلق محتاج إلى اعتمادات تكون في اللسان ؛ فإذا كان قبلها نون ساكنة بينة أمكن إخراجها ؛ لأن النون