في الرفع ، والوقف على ذلك كله أكثر في كلام العرب من الإشمام والروم ، لأنهم لا يسكنون ولا يريدون أن يحدثوا فيه شيئا سوى ما يكون في الساكن.
قال سيبويه : " وحدثني من أثق به أنه سمع عربيا يقول : أعطني أبيضه ، يريد أبيض وألحق الهاء كما ألحقها في هنه وهو يريد هن".
قال أبو سعيد : وهذا الذي حكاه من أقبح ما يكون الشذوذ ، وبعض أصحابنا يقول هو غلط من قائله ، وإنما قبح ذلك من جهتين : إحداهما أن سيبويه ذكر قبل هذا الباب أن ما كان معربا لا تلحقه هاء الوقف ، ولا يقال رأيت أحمره وقد علمنا أن أبيض معرب فلا وجه لهاء الوقف ، والجهة الأخرى أن التشديد إنما يلحق في الوقف إذا سكن الحرف الموقوف عليه ، فإذا حركناه بإدخال الهاء استغنينا عن التشديد وهذا الباب إنما هو فيما لا تلحقه زيادة ، من ذلك الألف التي لا تكون بدلا من التنوين ، كقولك : رأيت زيدا وجعفرا ، والواو والياء اللتان تلحقهما أزد السراة في قولهم : هذا زيدو ، ومررت بزيدي وعمري ، فاعرف ذلك إن شاء الله وإنما قال : " حدثنا" لأن الشاعر ربما زاد للضرورة حرفا يتبعه الحرف ، كما تزيد حركة تتبعها الحركة كقوله :
بسبت يلعج الجلدا (١)
ومثله :
قطنة من جيّد القطن (٢)
هذا باب الساكن الذي يكون قبل آخر الحرف فيحرك لكراهيتهم
التقاء الساكنين
" وذلك في الوقف لا في الوصل لأن الوصل في كلامهم كثير معروف ، وإذا جاز الشيء في الكلام فهو في الشعر أجوز ، وذلك قولك : هذا بكر ومن بكر ، ولم يقولوا رأيت البكر لأنه في موضع التنوين ، وقد يلحق ما يبين حركته ، والمجرور والمرفوع لا يلحقها ذلك في كلامهم ، ومن ثم قال الراجز ، بعض السعديين :
أنا ابن ماويّة إذا جدّ النقر (٣)
__________________
(١) قائله عبد مناف بن ربع الهذلي ديوان الهذليين ٢ / ٣٩.
(٢) قائله قارب بن سالم المري انظر النوادر ١٦٧ ـ ١٦٨ ، المخصص ٤ / ٦٩.
(٣) نسب هذا البيت إلى فدكن بن عبد الله المنقري انظر الخزانة الأدب ٤ / ٥٥٩ ، والدرر ٢ / ٢٣٤.