قال أبو سعيد : يعني أنّ تكون جوابا للقسم إذا أقسم على شيء في أوله لو ، ولا تكون جوابا له في غير ذلك.
" وتكون توكيدا في قولك : لما أن فعل".
يقال : لما جاء زيد أكرمته ، ولما أن جاء زيد ، وكما قال جل وعز : (وَلَمَّا أَنْ جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً)(١) ، وقد تدخل أن المكسورة على ما إذا استعملت اسما في معنى الحين ، وذلك أنك تقول : انتظرني إلى ما جلس القاضي ، تريد زمان جلوسه كأنه قال : انتظرني جلوس القاضي أي حين جلوسه ، ويجوز أن تدخل على هذا أن فتقول : انتظرني ما إن جلس القاضي.
قال الشاعر المعلوط بن بدل القريعي :
ورجّ الفتى للخير ما إن رأيته |
|
عن السّن خيرا لا يزال يزيد |
يريد على السن والكبر ، كما تقول فلان يزداد خيرا على السن والكبر ، يقول : استعمل عن في معنى على.
قال سيبويه : " أما كي فجواب لقوله كيمه ، كما يقول لمه فتقول ليفعل كذا وكذا ، وقد بين أمرها في بابها. وأما بل فلترك شيء من الكلام وأخذ في غيره. قال الشاعر أبو ذؤيب حيث ترك أول الحديث :
بل هل أريك حمول الحي غادية |
|
كالنّخل زينّها ينع وإفضاح (٢) |
وقال لبيد :
بل من يرى البرق بتّ أرقبه |
|
يزجي حبيا إذا خبا ثقبا (٣) |
قال أبو سعيد : وليست بترك الأول على جهة الإبطال له في كل حال ، ولكنها تكون للإبطال تارة وللإيذان تارة ، قصة الأول قد تمت وأخذ في غيرها ، وقد يقع في كلام الله تعالى بل بعد شيء من كلامه كقوله عزوجل : (بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْها)(٤) ، والشاعر إذا قال بل لم يرد أن ما تكلم قبل باطل ، وإنما يريد أنه قد تم وأخذ في غيره ، كما يقول الشاعر : دع ذا واترك ذا وما أشبه ذلك عنده تمام ما تكلم به والانتقال إلى غيره.
__________________
(١) سورة العنكبوت الآية : ٣٣.
(٢) انظر ديوان الهذليين ١ / ٤٥.
(٣) انظر ديوان لبيد ١٢.
(٤) سورة النمل الآية : ٦٦.