وهذه الاخبار وما جرى مجراها انما دلت على الوصية بالحج من غير الوصية بقدر معين له ، والظاهر ان التعيين يرجع فيه الى أجرة المثل كما فهمه الأصحاب فيكون المخرج من الأصل والثلث هو اجرة المثل ، وحينئذ فيكون الزائد عليها مع التعيين يخرج من الثلث كما تقدم.
ولبعض الأصحاب في المسألة تفصيل حسن لا بأس بذكره قال : من اوصى بالحج ، فاما ان يعين الأجير والأجرة معا أو لا يعينهما أو يعين الأجير دون الأجرة أو بالعكس ، ثم اما ان يكون الحج واجبا أو مندوبا ، فالصور ثمان :
الاولى ـ ان يعين الأجير والأجرة معا ويكون الحج واجبا ، فيجب اتباع ما عينه الموصي ، ثم ان كانت الأجرة المعينة مقدار اجرة المثل أو أقل نفذت من الأصل ، وان زادت كانت اجرة المثل من الأصل والزيادة من الثلث ان لم يجز الورثة. ولو امتنع الموصى له من الحج بطلت للوصية واستؤجر غيره بأقل ما يوجد من يحج به عنه.
أقول : الحكم ببطلان الوصية هنا مطلقا بامتناع الموصى له ـ حتى انه يصير في حكم ما لو لم يوص بالكلية ، فيستأجر غيره بأقل ما يوجد من يحج به عنه ـ لا اعرف له وجها ظاهرا ، لأنه قد أوصى بأمرين الأجير والأجرة والحج واجب لا بد من إخراجه ، وتعذر الأجير لامتناعه لا يوجب بطلان تعيين الأجرة ، إلا ان يعلم ان التعيين انما وقع من حيث خصوصية ذلك الأجير الموصى له وهو هنا غير معلوم. وسيأتي في كلامه ما يشير الى ما ذكرناه.
قال العلامة في المنتهى في هذه الصورة : فإن رضي الموصى له فلا بحث وإلا استؤجر غيره بالمعين ان ساوى اجرة المثل أو كان أقل ، وان زاد فالوجه ان الزيادة للوارث لأنه اوصى بها لشخص معين بشرط الحج ولم يفعل الموصى له فتكون للوارث ، ولا شيء للموصى له ، لأنه إنما اوصى له بشرط قيامه بالحج. انتهى.