فقلت : فما الذي يلي هذا؟ قال : المتعة. قلت : فكيف يتمتع؟ قال : يأتي الوقت فيلبي بالحج ، فإذا اتى مكة طاف وسعى وأحل من كل شيء ، وهو محتبس وليس له ان يخرج من مكة حتى يحج. قلت : فما الذي يلي هذا؟ قال القران ، والقران ان يسوق الهدي. قلت : فما الذي يلي هذا؟ قال : عمرة مفردة ويذهب حيث شاء ، فإن أقام بمكة إلى الحج فعمرته تامة وحجته ناقصة مكية. قلت : فما الذي يلي هذا؟ قال : ما يفعل الناس اليوم ، يفردون الحج ، فإذا قدموا مكة وطافوا بالبيت أحلوا ، وإذا لبوا أحرموا ، فلا يزال يحل ويعقد حتى يخرج إلى منى بلا حج ولا عمرة».
وسياق الخبر ـ كما ترى ـ انما هو في ما يفعله العامة ، والسؤال انما هو عن أفضل ما هو المعروف بينهم ، وهذا الترتيب لا يوافق أخبارنا ولا يجري على مذهبنا وبالجملة فالصحيحان المذكوران صريحان في كون تقديم الطواف وعقده بالتلبية انما هو مذهب العامة (١) وانه موجب لبطلان الحج ، لقوله عليهالسلام فيهما : «فيخرجون إلى منى بلا حج ولا عمرة».
وأنت خبير بما فيه من الاشكال والداء العضال ، ومقتضاهما حمل صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج المتقدمة ان حمل الطواف المقدم فيها على الطواف الواجب ـ وحسنة معاوية بن عمار المتضمنتين لعقد الإحرام بالتلبية ونحوهما من ما في معناهما ـ على التقية مع فتوى معظم الأصحاب بذلك ، بل الأخبار الدالة على جواز تقديم الطواف للمفرد والقران وقد تقدمت في أول البحث الثالث ، فإنه متى كان من طاف
__________________
(١) في المغني ج ٣ ص ٤٣٠ : وممن قال يلبي حتى يرمي الجمرة ابن مسعود وابن عباس وميمونة. الى ان قال : وروي عن سعد بن ابي وقاص وعائشة : يقطع التلبية إذا راح الى الموقف. الى آخر كلامه في نقل الأقوال.