وَقَالَ ابْنُ أَبِي الْحَدِيدِ فِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ: (٢٣٠) مِنْ بَابِ قِصَارِ كَلَامِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ نَهْجِ الْبَلَاغَةِ: ج ٥ صلي الله عليه وآله وسلم ٥١٣:
فَأَمَّا الْخَرْجَةُ الَّتِي خَرَجَهَا [عَلِيٌ] يَوْمَ الْخَنْدَقِ إِلَى عَمْرِو بْنِ عَبْدِ وُدٍّ فَإِنَّهَا أَجَلُّ مِنْ أَنْ يُقَالَ: جَلِيلَةٌ وَأَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُقَالَ عَظِيمَةٌ ، وَمَا هِيَ إِلَّا كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَبُو الْهُذَيْلِ وَقَدْ سَأَلَهُ سَائِلٌ: أَيُّمَا أَعْظَمُ مَنْزِلَةً عِنْدَ اللهِ عَلِيٌّ أَمْ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي وَاللهِ لَمُبَارَزَةُ عَلِيٍّ عَمْراً يَوْمَ الْخَنْدَقِ تَعْدِلُ أَعْمَالَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَطَاعَاتِهِمْ كُلَّهَا وَتُرْبِي عَلَيْهَا فَضْلاً عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَحْدَهُ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ مَا يُنَاسِبُ هَذَا بَلْ مَا هُوَ أَبْلَغُ مِنْهُ رَوَى قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ عَنْ أَبِي هَارُونَ الْعَبْدِيِّ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ مَالِكٍ السَّعْدِيِّ قَالَ: أَتَيْتُ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ إِنَّ النَّاسَ يَتَحَدَّثُونَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَمَنَاقِبِهِ فَيَقُولُ لَهُمْ أَهْلُ الْبَصِيرَةِ: إِنَّكُمْ لَتُفْرِطُونُ فِي تَقْرِيظِ هَذَا الرَّجُلِ فَهَلْ أَنْتَ مُحَدِّثِيَّ بِحَدِيثٍ عَنْهُ أَذْكُرُهُ لِلنَّاسِ؟
فَقَالَ [حُذَيْفَةُ]: يَا رَبِيعَةُ وَمَا الَّذِي تَسْأَلُنِي عَنْ عَلِيٍّ وَمَا الَّذِي أُحَدِّثُكَ عَنْهُ وَالَّذِي نَفْسُ حُذَيْفَةَ بِيَدِهِ لَوْ وُضِعَ جَمِيعُ أَعْمَالِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ فِي كِفَّةِ الْمِيزَانِ مُنْذُ بَعَثَ اللهُ تَعَالَى مُحَمَّداً إِلَى يَوْمِ النَّاسِ هَذَا ، وَوُضِعَ عَمَلٌ وَاحِدٌ مِنْ أَعْمَالِ عَلِيٍّ فِي الْكِفَّةِ الْأُخْرَى لَرَجَحَ عَلَى أَعْمَالِهِمْ كُلِّهَا. فَقَالَ رَبِيعَةُ: هَذَا الْمَدْحُ الَّذِي لَا يُقَامُ لَهُ وَلَا يُقْعَدُ وَلَا يُحْمَلُ!! إِنِّي لَأَظُنُّهُ إِسْرَافاً يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ.
فَقَالَ حُذَيْفَةُ: يَا لُكَعُ وَكَيْفَ لَا يُحْمَلُ! وَأَيْنَ كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَقَدْ عَبَرَ إِلَيْهِمْ عَمْرٌو وَأَصْحَابُهُ فَمَلَكَهُمُ الْهَلَعُ وَالْجَزَعُ!!! فَدَعَا [هُمْ عَمْرٌو] إِلَى الْمُبَارَزَةِ فَأَحْجَمُوا عَنْهُ حَتَّى بَرَزَ إِلَيْهِ عَلِيٌّ فَقَتَلَهُ ، وَالَّذِي نَفْسُ حُذَيْفَةَ بِيَدِهِ لَعَمَلُهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ أَعْظَمُ أَجْراً مِنْ أَعْمَالِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ إِلَى هَذَا الْيَوْمِ وَإِلَى أَنْ تَقُومَ الْقِيَامَةُ.
وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ قَالَ ذَلِكَ الْيَوْمَ حِينَ بَرَزَ إِلَيْهِ: «بَرَزَ الْإِيمَانُ كُلُّهُ إِلَى الشِّرْكِ كُلِّهِ».
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ: لَقَدْ ضَرَبَ عَلِيٌّ ... ضَرْبَةً مَا كَانَ فِي الْإِسْلَامِ أَيْمَنُ مِنْهَا ضَرْبَةَ عمرا [عَمْرٍو يَوْمَ الْخَنْدَقِ ، وَلَقَدْ ضُرِبَ عَلِيٌّ ضَرْبَةً مَا كَانَ فِي الْإِسْلَامِ أَشْأَمُ مِنْهَا يَعْنِي ضَرْبَةَ ابْنِ مُلْجَمٍ.
وَقَرِيباً مِمَّا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي الْحَدِيدِ رَوَاهُ أَيْضاً الْإِرْبِلِيُّ فِي حَرْبِ الْخَنْدَقِ مِنْ كِتَابِ كَشْفِ الْغُمَّةِ ج ١ ، صلي الله عليه وآله وسلم ٢٠٥.
وَرَوَاهُ أَيْضاً مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْكُوفِيُّ فِي الْحَدِيثِ: (١٤٠) مِنْ مَنَاقِبِ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ الْوَرَقِ ٤٩ ـ أ ـ قَالَ:
حَدَّثَنَا خَضِرُ بْنُ أَبَانٍ ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْحِمَّانِيُّ عَنْ قَيْسِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ أَبِي هَارُونَ الْعَبْدِيِّ عَنْ رَبِيعَةَ السَّعْدِيِّ قَالَ: أَتَيْتُ الْحُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ إِنَّا لَنَتَحَدَّثُ فِي عَلِيٍّ وَفِي مَنَاقِبِهِ فَيَقُولُ لَنَا أَهْلُ الْبَصْرَةِ: إِنَّكُمْ لَتُفْرِطُونَ فِي عَلِيٍّ وَفِي مَنَاقِبِهِ فَهَلْ أَنْتَ تُحَدِّثُنِي فِي عَلِيٍّ بِحَدِيثٍ فَقَالَ حُذَيْفَةُ: يَا رَبِيعَةُ إِنَّكَ.