وقعت بطريق الغناء الذي هو محل البحث ، فهذا هو الذي ندعي تحريمه ، سواء كان من الفساق أو الزهاد ، وان كان كذلك فإنه لم يعهد هنا نوع ممنوع منه ، غير ما ذكرناه ، حتى انه يخصه بالفساق ، لان مجرد الترجيع وتحسين الصوت والتحزن به لا يستلزم الغناء ، كما أشرنا إليه آنفا فهو ان بلغ الى حد الغناء وصدق عليه عرفا انه غناء ، كان ممنوعا ومحرما ، والا فلا.
واما ثانيا ، فان قوله : «فان اللحن في أول الخبر هو الغناء» ممنوع ، فإنه وان كان لفظ اللحن مما ورد بمعنى الغناء ، لكنه ورد أيضا في اللغة لمعان أخر ، منها : اللغة ، وترجيع الصوت ، وتحسين القراءة ، والشعر ، الا ان الأنسب به هنا : هو الحمل على اللغة ، بمعنى لغات العرب وأصواتها ، وهو الذي حمل عليه الخبر في مجمع البحرين فقال : اللحن واحد الالحان. واللحون : اللغات ، ومنه الخبر «أقروا القرآن بلحون العرب».
أقول : وحاصل معنى الخبر : أقروا القرآن بلغات العرب وأصواتها وإياكم ولحون أهل الفسق والكبائر ، والمراد به هنا : الغناء كما يفسره قوله «فإنه سيجيء بعدي أقوام. إلخ» هذا هو المعنى الظاهر من الخبر ، وما تكلفه في معنى الخبر فإنه بعيد عن سياقه.
واما خبر على بن الحسين عليهالسلام. فحاشا ان يكون ذلك من حيث كونه غناء ، كما توهموه ، وانما هذه حالات مختصة بهم ، بالنسبة إلى الأصوات والألوان والحلي ونحوها ، كما يدل عليه حديث دخول الجواد عليهالسلام على زوجته بنت المأمون ، لما التمست أمها دخوله لتسر برؤيته مع ابنتها ، مع انه عليهالسلام معها في سائر الأوقات والأيام والليالي ولم تستنكر منه (١). وحديث السراج في أصابع الرضا عليهالسلام (٢).
__________________
(١) مشارق الأنوار للحافظ البرسي ص ٩٨ ـ ٩٩ الفصل : ١١.
(٢) مدينة المعاجز ص ٤٧٣ حديث : ٣ ونقل المصنف ـ هنا في الهامش ـ حديث عسكر مولى ابن جعفر ـ ع ـ وما شاهده من غريب حاله ـ ع. فراجع : مناقب ابن شهرآشوب ج ٤ ص ٣٨٧ ـ ٣٨٨.