(المنهج الثالث) : فيما يحل لقيم مال اليتيم.
وقد اختلف الأصحاب ـ رضوان الله عليهم ـ في ذلك على أقوال :
(أحدها) : أجرة مثل عمله. وبه صرح في الشرائع ، وعلله في المسالك ، قال : لأنها عوض عمله ، وعمله محترم فلا يضيع عليه ، وحفظه بأجرة مثله.
وقال في مجمع البيان : والظاهر من روايات أصحابنا : ان له اجرة المثل ، سواء كان قدر كفايته أو لم يكن.
أقول : وفي ظهوره من الروايات كما ادعاه نظر ، كما سيظهر.
(وثانيها) : ان يأخذ قدر كفايته لقوله عزوجل «وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ» (١) والمعروف : مالا إسراف فيه ولا تقتير.
ونقل في المجمع هذا القول عن عطاء بن ابى رباح وقتادة وجماعة. قال : ولم يوجبوا اجرة المثل بما كانت أكثر من قدر الحاجة.
واستظهر هذا القول بعض مشايخنا المعاصرين ، قال : وهذا هو الظاهر من الاخبار ، ولكن ليس على إطلاقه المتناول للغنى وقلة المال وعدم الاشتغال عن أمور نفسه ، فإطلاقه مشكل. انتهى.
أقول : وسيأتي ـ إنشاء الله تعالى ـ توضيح ما ذكره.
(وثالثها) : أقل الأمرين من الأجرة والكفاية ، واحتج له بوجهين :
أحدهما : ان الكفاية ان كانت أقل من الأجرة ، فلان ـ مع حصولها ـ يكون غنيا ، ومن كان غنيا وجب عليه الاستعفاف عن بقية الأجرة ، وان كانت اجرة المثل أقل ، فإنما يستحق عوض عمله ، فلا يحل له أخذ ما زاد عليه.
وثانيهما : ان العمل لو كان لمكلف يستحق عليه الأجرة ، لم يستحق أزيد من اجرة مثله ، فكيف يستحق الأزيد مع كون المستحق عليه يتيما.
وفيه بحث يأتي ذكره ـ إنشاء الله تعالى ـ بعد نقل روايات المسألة ، وتحقيق
__________________
(١) سورة النساء : ٦.