ويضعف القول الأول من هذه الأقوال الثلاثة بأنه غير مضمون قبل التفريط ، فلا وجه لاعتبار قيمته ، وحمله على الغاصب قياس مع الفارق (١) ويضعف قول ابن الجنيد بأن المطالبة لا دخل لها في ضمان القيمة ، بل الضمان ثابت وأن لم يطالب.
أقول : والأنسب بالقواعد من هذه الأقوال أن يقال : ان قلنا في الغاصب بأن الواجب عليه أعلى القيم ، وجب هنا على المرتهن أعلى القيم من حين التفريط الذي صار به كالغاصب الى وقت التلف ، وان قلنا بأن الواجب عليه قيمة يوم التلف فكذا هنا ، أعنى الحكم بقيمة يوم التلف إذا كان اختلاف القيم بسبب السوق أو بسبب نقص في العين غير مضمون ، أما لو كان مضمونا كما لو فرط فنقصت العين بهزال ونحوه ، تعين الأول ، وهو أن يعتبر أعلى القيم من حين التفريط الى حين التلف ، هذا كله فيما إذا كان الرهن قيميا.
أما لو كان مثليا فإنه يضمن بمثله ان وجد ، والا فقيمة المثل يوم الأداء على الأظهر ، لأن الواجب قبل التعذر انما كان المثل ، وانما وقع الرجوع الى القيمة بعد تعذره ، بخلاف القيمي فإن القيمة استقرت في الذمة من حين التلف قطعا ، وانما وقع الاختلاف والاشتباه في قدرها بسبب الاعتبارات المتقدمة والله العالم.
المسألة الرابعة ـ إذا اذن المرتهن للراهن في البيع ثم رجع فاختلفا ، فقال المرتهن رجعت قبل البيع ، وبموجبه يكون الرهن باقيا ، والبيع باطل ، وقال الراهن : انما رجعت بعد البيع فالبيع صحيح ، والرهن باطل.
قيل : القول هنا قول المرتهن ، ترجيحا لجانب الوثيقة ، بمعنى أن الدعويين متكافئان ، وذلك أن الراهن يدعى تقدم البيع على الرجوع ، والأصل عدمه ، والمرتهن يدعى تقدم الرجوع على البيع ، والأصل أيضا عدمه ، فقد تعارض الأصلان
__________________
(١) فإنه في الغاصب مضمون عليه بمجرد الغصب ، بخلاف الرهن فإنه قبل التفريط غير مضمون منه رحمهالله.