قال : ان الله يقول (١) «لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النّاسِ» وقال (٢) «وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِياماً» وقال (٣) «لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ».
أقول : يستفاد من هذه الاخبار بعد ضم بعضها الى بعض أن السفه مقابل للرشد ، كما ذكره الأصحاب ، وأن مجرد السفه موجب ومقتض لعدم الدفع الى من اتصف به ، لان قوله سبحانه «لا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ» اما أن يراد به أموالهم كما عرفت من خبر العياشي المذكور ، أو ما هو الظاهر من الآية كما يدل عليه غيره ، والنهى عن إعطائهم انما هو من حيث السفه ، لان التعليق على الوصف يشعر بالعلية ، فيكون المعنى لا تدفعوا الى السفهاء أموالهم أو أموالكم من حيث اتصافهم بالسفه.
ومنه يعلم أنه العلة في المنع والمقتضى له وهو الظاهر من جملة الأخبار المذكورة وبه يظهر قوة القول الذي اخترناه من الحكم بالحجر بمجرد السفه ، وعدم التوقف على حكم الحاكم ، وأنه يزول أيضا الحجر بزواله ، لانه متى زالت العلة زال معلولها.
ومنها يعلم أيضا أن الرشد مناط صحة التصرف حيث ما كان ، وذكره في الاية أعنى قوله «فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً» انما وقع من حيث كونه كذلك ، فان قوله عليهالسلام إيناس الرشد حفظ المال ، وفي الرواية الأخرى الرشد العقل وإصلاح المال ، انما هو تفسيره للرشد في حد ذاته ، لا لخصوصية رشد الصبي.
ويستفاد أيضا من قوله عليهالسلام في رواية القمي ـ فيمن يجهل حال بلوغه ، فإنه يمتحن بريح إبطيه ، ونبت عانته ، وإذا كان كذلك فقد بلغ ـ أن نبت العانة علامة على البلوغ ، لا على سبقه ، كما قيل.
وظاهر الاخبار المذكورة هو ترتب السفه على مجرد تضييع المال وإفساده ، واما اعتبار كون ذلك ملكة كما تقدم ذكره ، فهو غير ظاهر منها.
__________________
(٢ ـ ٢) سورة النساء الآية ـ ١١٤ و ٥.
(٣) سورة المائدة الآية ـ ١٠١.