نوايات (١) فقال : يا نبي الله ان الله تبارك وتعالى يقول لك : ان هؤلاء خلائقي وعبادي لست أبيدهم (٢) بصاعقة من صواعقي الا بعد تأكيد الدعوة والزام الحجة فعاود اجتهادك في الدعوة لقومك فانى مثيبك عليه ، واغرس هذا النوى فان لك في نباتها وبلوغها وإدراكها إذا أثمرت الفرج والخلاص ، فبشر بذلك من اتبعك من المؤمنين ، فلما نبتت الأشجار وتأزرت وتسوقت وأغصنت وزهى الثمر على ما كان (٣) بعد زمان طويل استنجز من الله العدة ، فأمره الله تبارك وتعالى أن يغرس نوى تلك الأشجار ويعاود الصبر والاجتهاد ويؤكد الحجة على قومه فامر بذلك الطوايف التي آمنت به ، فارتد منهم ثلاثمائة رجل وقالوا : لو كان ما يدعيه نوح حقا لما وقع في وعد ربه خلف ، ثم ان الله تبارك وتعالى لم يزل يأمره عند كل مرة بان يغرسها مرة بعد اخرى الى ان غرسها سبع مرات ، فما زالت تلك الطوائف من المؤمنين يرتد منهم طائفة بعد طائفة الى أن عاد الى نيف وسبعين رجلا ، فأوحى الله تبارك وتعالى اليه عند ذلك وقال : يا نوح الآن أسفر الصبح عن الليل يعينك عن صرح الحق محضه (٤) وصفا الكدر بارتداد كل من كانت طينته خبيثة ، فلو انى أهلكت الكفار وأبقيت من قد ارتد من الطوايف التي كانت آمنت بك لما كنت صدقت وعدي السابق للمؤمنين الذين أخلصوا التوحيد من قومك ، واعتصموا بحبل نبوتك ، فانى استخلفهم في الأرض وأمكن لهم دينهم وأبدلهم خوفهم بالأمن لكي تخلص العبادة لي بذهاب الشرك من قلوبهم ، وكيف يكون الاستخلاف والتمكين وبدل [الخوف] بالأمن منى لهم مع ما كنت أعلم من ضعف يقين الذين ارتدوا وخبث طينتهم وسوء سرائرهم التي كانت
__________________
(١) النواة : عجمة لتمر ونحوه اى حبه والجمع نويات ولعل الالف زائدة.
(٢) أباده الله : أهلكه.
(٣) تأزر الزرع : قوى بعضه بعضا فالتف وتلاصق واشتد وسوق الشجر : صار ذا ساق. وأغصفت الشجرة : نبتت أغصانها. وزهى الثمر : ظهر وفي البحار «عليها» مكان «على ما كان».
(٤) كذا في النسخ وفي البحار «الآن أسفر الصبح عن الليل لعينك حين صرح الحق عن محضه ...».