يجوز لهم عند ذلك؟ قال : لا ، قال : فما الذي يجب على سفرائك؟ أليس ان يأتوهم عنك بعلامة صحيحة تدلهم على صدقهم يجب عليهم أن يصدقهم؟ قال : بلى ، قال : يا عبد الله أرأيت سفيرك لو انه لما سمع منهم عاد إليك وقال : قم معى ، فإنهم اقترحوا على مجيئك معى ، أيكون لك أن تقول له : انما أنت رسول مبشر وآمر (١) قال : بلى ، قال : فكيف صرت تقترح على رسول رب العالمين مالا تسوغ لاكرتك ومعامليك ان يقترحوه على رسولك إليهم؟ وكيف أردت من رسول رب العالمين ان يستندم الى ربه بان يأمر عليه وينهى ، وأنت لا تسوغ مثل هذا على رسولك الى أكرتك وقوامك ، هذه حجة قاطعة لابطال ما ذكرته في كل ما اقترحته يا عبد الله.
واما قولك أو يكون ذلك بيت من زخرف وهو الذهب أما بلغك أن لعظيم مصر بيوتا من زخرف؟ قال : بلى ، قال : أفصار بذلك نبيا قال : لا قال : فكذلك لا توجب بمحمد صلىاللهعليهوآله لو كانت له نبوة ، ومحمد لا يغتنم جهلك بحجج الله.
واما قولك يا عبد الله أو ترقى في السماء ثم قلت : (وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ) يا عبد الله الصعود الى السماء أصعب من النزول منها ، وإذا اعترفت على نفسك انك لا تؤمن إذا صعدت فكذلك حكم النزول ، ثم قلت : (حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ) من بعد ذلك ثم لا أدري أومن بك أو لا أومن ، فانك يا عبد الله مقر انك تعاند حجة الله عليك ، فلا دواء لك الا تأديبه على يد أوليائه البشر ، أو ملائكته الزبانية ، وقد أنزل الله على حكمة جامعة لبطلان كلما اقترحته ، فقال تعالى : قل يا محمد (سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً) ما أبعد ربي عن ان يفعل الأشياء على ما تقترحه الجهال بما يجوز وبما لا يجوز ، و (هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً) لا يلزمني الا اقامة حجة الله التي أعطانى ، فليس لي ان آمر على ربي ولا أنهى ولا أشير ، فأكون كالرسول الذي بعثه ملك الى قوم مخالفيه فرجع اليه يأمره أن يفعل بهم ما اقترحوه عليه ، والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.
__________________
(١) كذا في النسخ لكن في البحار هكذا : «أليس يكون لك مخالفا؟ وتقول له : انما أنت رسول لا مشير ولا آمر؟ قال ... اه» وهو الظاهر.