يعيبها عند الملك إذا شاهدها فلا يغصب المساكين عليها ، وأراد الله عزوجل صلاحهم بما أمره به من ذلك ، ثم قال : و (أَمَّا الْغُلامُ فَكانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ) وطبع كافرا وعلم الله تعالى ذكره انه ان بقي كفر أبواه وافتتنا به ، وضلا بإضلاله إياهما ، فأمرني الله تعالى ذكره بقتله ، وأراد بذلك نقلهم الى محل كرامته في العاقبة ، فاشترك بالانانية بقوله : (فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَكُفْراً) فأراد (أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ زَكاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً) وانما اشترك في الانانية لأنه خشي والله لا يخشى ، لأنه لا يفوته شيء ولا يمتنع عليه أحد أراده. وانما خشي الخضر من ان يحال بينه وبين ما أمر فيه فلا يدرك ثواب الإمضاء فيه ووقع في نفسه ان الله تعالى ذكره جعله سببا لرحمة أبوى الغلام ، فعمل فيه وسط الأمرين من البشرية مثل ما كان عمل في موسى عليهالسلام لأنه صار في الوقت مخبرا ، وكليم الله موسى عليهالسلام مخبرا (١) ولم يكن ذلك باستحقاق للخضر للرتبة على موسى عليهماالسلام وهو أفضل من الخضر ، بل كان لاستحقاق موسى للتبيين.
ثم قال : و (أَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما) ولم يكن ذلك الكنز بذهب ولا فضة ، ولكن كان لوحا من ذهب فيه مكتوب : عجبت لمن أيقن بالموت كيف يفرح؟ عجبت لمن أيقن بالقدر كيف يحزن؟ ، عجبت لمن أيقن ان البعث حق كيف يظلم؟ عجبت لمن يرى الدنيا وتصرف أهلها حالا بعد حال كيف يطمئن إليها؟ و (كانَ أَبُوهُما صالِحاً) كان بينهما وبين هذا الأب الصالح سبعون أبا فحفظهما الله بصلاحه ، ثم قال : (فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما وَيَسْتَخْرِجا كَنزَهُما) فتبرء من الأنانية في آخر القصص ، ونسب الارادة كلها الى الله تعالى ذكره في ذلك ، لأنه لم يكن بقي شيء مما فعله فيخبر به بعد ، ويصير موسى عليهالسلام به مخبرا ومصغيا الى كلامه تابعا له ، فتجرد من الأنانية ، والارادة تجرد العبد المخلص ثم صار متنصلا (٢) مما
__________________
* مناسب ، واما ما يناسب أن ينسب اليه تعالى فهو ارادة صلاحهم بهذا التعييب.
(١) بكسر الاول وفتح الثاني.
(٢) من تنصل الى فلان من الجناية إذا اعتذر وتبرء عنده منها.