من حالاتهم ، مع قناعة تملأ القلوب والعيون غنى ، وخصاصة تملأ الأبصار والأسماع أذى ، ولو كانت الأنبياء عليهمالسلام أهل قوة لا ترام وعزة لا تضام ، وملك تمد نحوه أعناق الرجال وتشد اليه عقد الرحال لكان ذلك أهون على الخلق في الاعتبار وأبعد لهم من الاستكبار ، ولا منوا عن رهبة قاهرة لهم ، أو رغبة مائلة بهم ، وكانت النيات مشتركة والحسنات مقتسمة ، ولكن الله سبحانه أراد أن يكون الاتباع لرسله والتصديق بكتبه والخشوع لوجهه والاستكانة لأمره والاستسلام لطاعته أمورا له خاصة لا يشوبها من غيرها شائبة ، وكلما كانت البلوى والاختبار أعظم كانت المثوبة والجزاء أجزل.
٦٧ ـ في كتاب التوحيد باسناده إلى أحمد بن أبي عبد الله رفعه إلى أبي عبد اللهعليهالسلام في قول الله عزوجل : (فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ) قال : ان الله تبارك وتعالى لا يأسف كأسفنا ولكنه خلق أولياء لنفسه يأسفون ويرضون ، وهم مخلوقون مدبرون ، فجعل رضاءهم لنفسه رضى ، وسخطهم لنفسه سخطا ، وذلك لأنه جعلهم الدعاة اليه والأدلاء عليه ، فلذلك صاروا كذلك وليس ان ذلك يصل إلى الله كما يصل إلى خلقه ولكن هذا معنى ما قال من ذلك ، وقد قال أيضا : من أهان لي وليا فقد بارزني بالمحاربة ودعاني إليها ، وقال أيضا : (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ) وقال أيضا : (إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ) وكل هذا وشبهه على ما ذكرت لك وهكذا الرضا والغضب وغيرهما من الأشياء مما يشاكل ذلك ، ولو كان يصل إلى المكون الأسف والضجر وهو الذي أحدثهما وانشأهما لجاز لقائل ان يقول : ان المكون يبيد يوما ، لأنه إذا دخله الضجر والغضب دخله التغيير ، فاذا دخله التغيير لم يؤمن عليه الإبادة (١) ولو كان ذلك كذلك لم يعرف المكون من المكون ولا القادر من المقدور ، ولا الخالق من المخلوقين ، تعالى الله عن هذا القول علوا كبيرا هو الخالق للأشياء لا لحاجة ، فاذا كان لا لحاجة استحال الحد والكيف فيه ، فافهم ذلك إنشاء الله.
٦٨ ـ في أصول الكافي محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن محمد بن إسماعيل بن بزيع عن عمه حمزة بن بزيع عن أبي عبد الله عليهالسلام في قول الله عزوجل :
__________________
(١) الابادة : الإهلاك.