الوثوق والاطمئنان بمؤدّاه ، وهو الّذي فسّر به الصحيح في مصطلح القدماء ، والمعيار فيه أن يكون احتمال مخالفته للواقع بعيدا ، بحيث لا يعتني به العقلاء ، ولا يكون عندهم موجبا للتحيّر والتردّد الّذي لا ينافي حصول مسمّى الرجحان ...
ومن الظاهر إنّ الإخبار الّتي أعرض عنها المشهور لا تكون موثوقا بها وإن صحّت أسنادها ، فلا تشمله أدلّة حجيّة الإخبار ، انتهى.
لكن إذا قلنا بأنّ المعتبر من الإخبار ما كان مخبره صادقا لبناء العقلاء عليه وللروايات ، أو كان الخبر موثوقا به ؛ لأنّ الاطمئنان حجّة عقلائيّة ، لم يتمّ هذا الاستدلال ، لعدم سقوط الخبر بإعراض المشهور عنه ، بعدما كان رواته صادقين وثقات وقد شملته أدلّة الحجيّة ، وهذا ظاهر. ولو شرط في حجيّة الخبر ، الوثوق الشخصي بمؤدّاه ، لذهب اكثر الإخبار باطلا.
ولا أظنّ بأنّ الشّيخ الأنصاري قدّس سره كان واثقا بما إستدلّ به من الأحاديث ، كما يظهر من كتاب مكاسبه وغيره.
القول الرابع عشر : ما نقله الشّيخ الحسن رحمهالله عن المحقّق الحلّي قدّس سره من أنّه إذا قال الرّاوي أخبرني بعض أصحابنا وعني الإماميّة يقبل ، وإن لم يصفه بالعدالة ، إذا لم يصفه بالفسق ؛ لأنّ إخباره بمذهبه شهادة بأنّه من أهل الأمانة ، ولم يعلم منه الفسق المانع من القبول ، فإنّ قال عن بعض أصحابه لم يقبل ؛ لإمكان أن يعني نسبته إلى الرّواة وأهل العلم ، فيكون البحث فيه كالمجهول. (١)
أقول : ما ذكره في الشّق الثّاني صحيح ، وأمّا ما ذكره في الشّق الأوّل فيرد عليه ، نظير ما ذكره نفسه في مراسيل ابن أبي عمير ، كما سبق نقله في القول الرابع.
والظاهر أنّ كلامه هذا يعتمد على أصالة العدالة في المؤمن ، أو على أصالة الأمانة الفعليّة والقوليّة فيه ، وعلى كلّ لا يمكن إتمامه بدليل.
القول الخامس عشر : قبول مراسيل محمّد بن أبي حمزة الثمالي ، فإنّ مشايخة كثيرون يتجاوزون أربعين رجلا فيما بأيدينا من الأحاديث ، وجميعهم ثقات عدا شخصين لم يثبت وثاقتهما ، وهما علي بن سعيد ، وعلي بن الحزور ، وقد وردت روايته عنهما في موضعين ، من التهذيب ، (٢) نعم ، روي عن أناس ضعفاء ، أو غير موثقين ، لكن باسانيد غير معتبرة ، (مثل : داود
__________________
(١) معالم الدين وملاذ المجتهدين : ٢٠٨.
(٢) التهذيب : ١٠ / ١١٧ ؛ ٢ / ٣١٤.