والحلّ أنّ الشّيخ قد تكفّل في التهذيبين لحلّ ظاهرة التعارض بين الإخبار ؛ وذلك ممّا ألجأه أحيانا إلى إتباع الأسلوب الإقناعي في البحث المتمثّل في حمل جملة من الرّوايات على بعض المحامل البعيدة ، أو المناقشة في حجيّتها ببعض الوجوه الّتي لا تنسجم مع مبانيه الرجالية والأصوليّة المذكورة في سائر كتبه ، وهذا ظاهر لمن تتبّع طريقته في الكتابين. انتهى كلامه بأدنى تغيير.
أقول : ما ذكره في الحل متين في الجملة ، لكنّه ليس هو بعام ولا يمكن الاعتماد على قوله حول مراسيل ابن أبي عمير في العدّة مع تعارضه بقوله في التهذيبين ، لا سيّما أنّه ذكر في أوائل تهذيبه أنّه لا يناقش في الأسناد إلّا نادرا ، حيث قال في تهذيبه (١) : ومهما تمكنت من تأويل بعض الأحاديث من غير أن أطعن في أسنادها فإنّي لا اتعدّاه ... والعمدة أنّه إذا قلنا بتقدّم التهذيب على العدّة زمانا ، كما هو كذلك ، لا يبقى لتضعيف مراسيل ابن أبي عمير أثر ، بل يقدّم عليه ما في العدّة ، فإنّه رجوع منه رحمهالله عمّا في التهذيب ، ظاهرا.
تتمّة مهمّة فيها امور
الأمر الأوّل : قال السّيد الجليل المعظّم بحر العلوم قدّس سره في آخر كتاب رجاله في الفائدة الرابعة : (٢) قد سلك كلّ من مشايخنا الثّلاثة ـ أصحاب الكتب الأربعة رحمهمالله ـ في أسانيد كتابه مسلكا غير ما سلكه الآخر ، فالشّيخ الكليني جرى على طريقة القدماء من ذكر جميع السند غالبا ... والصّدوق بنى في الفقيه من أوّل الأمر على اختصار الأسانيد ، وحذف أوائل السند ، ووضع في آخر مشيخته يعرف بها طريقه إلى من يروي عنه ... وربّما أخلّ فيها بذكر الطريق ...
وأمّا شيخ الطائفة قدّس سره فاختلفت طريقته في ذلك ، فإنّه قد يذكر في التهذيب والاستبصار جميع السند ، كما في الكافي ، وقد يقتصر على البعض بحذف الصدور ، كما في الفقيه ، واستدرك المتروك في آخر الكتابين ، فوضع له مشيخته المعروفة ، وهي فيهما واحدة غير مختلفة ، وقد ذكر فيها جملة من الطّرق إلى أصحاب الاصول والكتب ممّن صدر الحديث بذكرهم ، وابتدأ بأسمائهم ولم يستوف الطرق كلّها ، ولا ذكر الطريق إلى كلّ من روي عنه بصورة التعليق ، بل ترك الأكثر لقلّة روايته عنهم ، وأحال التفصيل على فهارس الشّيوخ المصنّفة في هذا الباب ، وزاد في التهذيب الحوالة على كتاب الفهرست ، الّذي صنفه في هذا المعنى.
__________________
(١) التهذيب : ٣.
(٢) رجال بحر العلوم : ٤ / ٧٣ ، طبع النجف سنة ١٣٨٦ ه. ش.