وقد صرّح الشّيخ في مشيخة التهذيب بأنّ إيراد الطرق لإخراج الإخبار بها عن حدّ المراسيل وإلحاقها بالمسندات ... وفي كلام الصدوق ما يشير إلى ذلك كلّه ، فلا يستغنى عن الوسائط في أخبار تلك الكتب ، ودعوى تواترها عند الشّيخ والصّدوق كتواتر كتبهما عندنا ممنوعة ، بل غير مسموعة ، كما يشهد به تتّبع الرجال والفهارست ، والظنّ بتواترها مع عدم ثبوته لا يدخلها في المتواتر ، فإنّه مشروط بالقطع ، والقطع بتواتر البعض لا يجدي مع فقد التمييز ... على أنا لو سلّمنا تواتر جميع الكتب ؛ فذلك لا يقتضي القطع بجميع ما تضمنته من الإخبار فردا فردا لما يشاهد من اختلاف الكتب المتواترة في زيادة الإخبار ونقصانها واختلاف الرّوايات الموردة فيها بالزيادة والنقيصة والتغييرات الكثيرة في اللفظ والمعني.
وأيضا فالاحتياج إلى الطريق إنّما يرتفع لو علم أخذ الحديث من كتاب من صدر الحديث باسمه ، وهذا لا يفهم من كلام الصدوق ، فإنّه إنّما يدلّ على أخذ الأحاديث من الكتب المشهورة الّتي عليها المعوّل وإليها المرجع ، وهو غير الأخذ من كتاب الرّاوي ، الّذي بدأ بذكره ، كما ذكره الشّيخ.
ومن الجائز أن يكون قد أخذ الحديث من كتاب من تأخّر عنه ونسبه إليه ؛ اعتمادا على نقله له من كتابه ، ثمّ وضع المشيخة ليدخل الناقل في الطريق ويخرج عن عهدة النقل من الأصل ... إلى آخر كلامه الطويل المفيد التامّ المنافي لما مرّ منه حول تصحيح أحاديث الفقيه ، والعصمة لأهلها.
الأمر الثالث : إنّ شيخنا البحاثة المتتّبع مؤلّف الذّريعة إلى تصانيف الشّيعة رحمهالله أنهى شروح التهذيب وتعليقاته إلى خمس وعشرين ، وشروح الاستبصار وتعليقاته في (ج ٢ / ١٥) إلى ثمانية عشر ، كما قيل.
ولعلّها زادت على ذلك العدد لحدّ الآن.
كلام آخر حول اعتبار الأحاديث الكتب الأربعة
نقل عن جمع من المحدّثين أنّ روايات الكتب الأربعة بأجمعها قطعية الصدور (١) ، وقيل : لا نقطع بصدورها ، ولكن نثق بها ونطمئن بها (٢) ، وممّن اختار قول هذه الجماعة وأطال في
__________________
(١) لاحظ : فرائد الاصول ؛ ومعجم رجال الحديث وغيرهما.
(٢) يظهر هذا من المحدّث النوري ، لاحظ : مستدرك الوسائل : ٣ / ٥٣٥.