وأمّا دعوى إجماع العلماء المتأخّرين عن زمان الشّيخ والنجّاشي على حجيّة توثيقات الشّيخ والنجّاشي والكشّي وأمثالهم ، فغير صحيحة ، فإنّ إجماعهم ليس تعبديّا كاشفا عن قول المعصوم ؛ إذ للعلماء طرق وآراء مختلفة في حجيّة آراء الرجاليّين ، وما يتوهّم من دفع الإشكال على القول بكون الرجوع إلى الرجاليّين من باب الرجوع إلى أهل الخبرة ضعيف ، فإذا لم يندفع الإشكال المذكور فلا بدّ من الالتزام بدليل الانسداد والجرى على وفقه في الفقه ، لكن العجيب إننى ـ نفسيا ـ لا أرى في الانسداد وأصوله إثبات الحلال والحرام ، بل الّذي تطيب به نفسي هو العمل بصحاح الرّوايات وحسانها وموثقاتها حسب توثيق وتحسين هؤلآء الرجاليين الكرام (قدّس الله أسرارهم).
ولو أجد من حلّ لي المعضلة المذكورة لقدّمت له مبلغا من المال ، وكنت له شاكرا ، إذ مع هذه المعضلة يصبح علم الرجال غير معتمد على أساس عقلي أو شرعي ، كما هو ظاهر ، والله الهادي والملهم للصواب.
وفي الختام نلخص المشكلة المعضلة في المقام توضيحا للمطالعين.
المعضلة من جهتين :
١. معظم توثيقات الشّيخ الطّوسي والنجّاشي بشهادة كلماتهما ، وبالقرينة الخارجيّة ، حسّية جزما ، من دون الاستمداد من أصالة حمل كلام المخبر على الحسّ ، فيما إذا دار الأمر بين كونه عن حدس أو حسّ لبناء العقلاء عليه.
فالمشكلة في هذا القسم لا تنشأ من جهة احتمال كون توثيقاتهما حدسيّة أصلا ، وإنّما المعضلة أن توثيقاتهما ـ وكذا تضعيفاتهما ، وسائر ما ذكراه في حقّ الرّواة ـ مرسلة لم يذكرا الوسائط النقلة حتّى نعرف أنّهم ثقات أو ضعفاء أو مجاهيل.
وقبول التّوثيقات المرسلة لا وجه له سوى حسن الظّن بالشّيخ والنجّاشي ، وأنّهما لم ينقلاها إلّا عن ثقة عن ثقة إلى الآخر والحال أنّهما لم يذكرا ذلك ، ولم يشيرا إليه ، فكيف يجوز لنا قبولها؟ ولم لا نسأل منهما أنّه من هؤلآء الّذين أخبرو كما أنّ محمّد بن مسلم مثلا ثقة؟
فإنّكما لم تراه ألّا ترى أنا نقطع بأنّ ما ينقله أحدهما عن النّبيّ الخاتم صلىاللهعليهوآله أو الإمام عليهالسلام ليس بحدسي قطعا ، بل هو حسّي ضرورة ، ولكن حيث نعلم إنّه لم يلاق النّبيّ صلىاللهعليهوآله أو الإمام عليهالسلام نحتاج في قبول الحديث الحسّي إلى سنده ، وملاحظة حال رواته فإنّ علمنّا وثاقتهم