أقول : أمّا القول الأوّل ، فقد أورد عليه بأنّ الوثاقة أمر مشترك بين هؤلآء الأشخاص وبين غيرهم ، فما معنى تخصيصهم بالذكر؟ وجواب هذا الإيراد عندي واضح ، فإنّ مراد الكشّي ليس هو مجرّد نقل الإجماع على وثاقتهم ، بل مراده نقل الإجماع المذكور عليها مع بيان انقياد العصابة لهم بالفقه والعلم ، بل الأفقهيّة في الجملة ، والمجموع مزية جليلة وفضيلة عظيمة غير مشتركة بينهم وبين غيرهم.
بل هذا القول هو المتعيّن بالنّسبة إلى الطّبقة الأوّلى ؛ لعدم وجود ما يتوهّم دلالته على أكثر من الوثاقة أو الصّدق في كلام الكشّي ، وإن شئت فقل : إنّ جملة : تصحيح ما يصحّ عنهم ، المذكورة في حقّ الطّبقتين التّاليتين غير مذكورة في حقّ الطّبقة الأوّلى ، فسائر الأقوال بالنّسبة إليهم تحكّم وتعسّف ، وظنّي أنّ عدّة من الباحثين لم يلتفتوا إلى هذه النّكتة ، فلاحظ.
قيل : إنّ قول الكشّي في حقّ الطّبقة الأوّلى نصّ في صحّة رواياتهم ، فإنّ المراد من قولهم : أجمعت العصابة على تصديق هؤلآء الأوّلين ، تصديقهم في رواياتهم ، لا أنّها ظاهرة في التّوثيق لهم ، ولا لمن قبلهم.
أقول : علّة التّصديق هي صدقهم ، وهو لا يكفى لصحّة رواياتهم مطلقا ، بل بمقدار ما يقولون كما صرّح به الكشّي في حقّ الطّبقة الثانية ، حيث قال : وتصديقهم لما يقولون.
لا يقال : إنّ ظاهر السّيد الطباطبائي والوحيد ـ رضوان الله عليهما ـ هو ادّعاء الإجماع على التّصحيح المذكور مطلقا ، حتّى في حقّ الستّة الأوّلى.
فإنّه يقال : نعم ، ولكنّه مبنيّ على الغفلة من عبارة الكشّي ، أو اجتهاد منهما ؛ لأجل الأوّلويّة ونحوها ، وعلى كلّ ، ليس هو بحجّة ، وعليه فلا يبعد أن نعمّم هذا القول إلى الطّبقتين التاليتين ، فإنّ المفهوم من كلام الكشّي أفضليّة الستّة الأوّلى من الثانية والثالثة ، فتأمّل. فكيف يستفاد من كلامه زيادة المزية في حقّ غير هؤلآء الستّة؟
نعم ، قال المحدّث النوري : بل التّعبير بالوثاقة بها ـ أي : بجملة تصحيح ما يصحّ عنهم ـ أشبه شيء بالأكل من القفا ، ولفظ ثقة من الألفاظ الدائرة الشّائعة لا داعي للتعبير عنها بما لا ينطبق عليها مدلوله إلّا بعد التّكلّف. (١)
__________________
(١) لقائل أن يقول للنوري ما فائدة ذكر التصديق بعد ذكر التّصحيح على زعمك في معقد الإجماع المذكور؟
ولعلّ الدّاعي للكشّي هو التفنّن في العبارة.