قولك بخلافك على الجماعة. فعن الجماعة أخذت ديني ، فكيف أخالفهم وهم أصلى في ديني! وأما قولك وقولك بالإمامة فما أعرف إلا كتاب الله ، وسنة رسوله صلىاللهعليهوسلم. وأما قولك مثلك ما يقلد الحكم بين المسلمين ، فهذا شيء أنتم فعلتموه ، فإن كان خطأ فاستغفروا الله منه ، وإن كان صوابا فأمسكوا عليه. قال : وما قالا فيه؟ قال : فأما العبّاس فمات وعليّ عنده أفضل الصحابة ، وقد كان يرى كبراء المهاجرين يسألونه عما ينزل من النوازل ، وما احتاج هو إلى أحد حتى لحق بالله ، وأما عبد الله فإنه كان يضرب بين يديه بسيفين ، وكان في حروبه رأسا متبعا ، وقائدا مطاعا فلو كانت إمامته على جور كان أول من يقعد عنها أبوك ، لعلمه بدين الله ، وفقهه في أحكام الله ، فسكت المهديّ وأطرق ، ولم يمض بعد هذا المجلس إلا قليل حتى عزل شريك.
أخبرنا أبو عبد الله محمّد بن عبد الواحد ، أخبرنا الوليد بن بكر الأندلسي ، حدّثنا عليّ بن أحمد بن زكريّا الهاشميّ ، حدّثنا أبو مسلم صالح بن أحمد بن عبد الله العجليّ ، حدّثني أبي قال : حدّثني أبي عبد الله قال : قدم هارون الكوفة يعزل شريكا عن القضاء ، وكان موسى بن عيسى واليا على الكوفة. فقال موسى لشريك : ما صنع أمير المؤمنين بأحد ما صنع بك ، عزلك عن القضاء ، فقال له شريك : هم أمراء المؤمنين يعزلون القضاة ، ويخلعون ولاة العهود ، فلا يعاب ذلك عليهم. فقال موسى : ما ظننت أنه مجنون هكذا ، لا يبالي ما تكلم به. وكان أبوه عيسى بن موسى ولي العهد بعد أبي جعفر ، فخلعه بمال أعطاه إياه ، وهو ابن عم أبي جعفر.
وقال أبو مسلم : حدّثني أبي قال : حدّثني أبي عبد الله. قال : قدم شريك البصرة فأبى أن يحدثهم ، فاتبعوه حين خرج وجعلوا يرجمونه بالحجارة في السفينة ، ويقولون له : يا ابن قاتل الحسين ، رحم الله طلحة والزبير ، وهو يقول لهم : يا أبناء الظئورات ، ويا أبناء السنايخ (١٣) لا سمعتم مني حرفا. فقال له ابنه : ألا تستعدي السلطان عليهم؟ قال : أو عجزنا عنهم!!.
وقال أبو مسلم : حدّثني أبي قال : كان شريك يختلف إلى باب الخليفة ببغداد ، فجاء يوما فوجدوا منه ريح نبيذ ، فقال بعضهم : نشم رائحة أبا عبد الله؟ قال : مني مني؟ قالوا : لو كان هذا منا لأنكر علينا ، قال : لأنكما مريبان. قال : وبعث إليه بمال يقسمه بالكوفة ، فأشاروا عليه أن يسوى بين الناس ، فأبى فأعطى الغربي اثنى عشر ،
__________________
(١٣) الظئر : المرضعة ولد غيرها. السناخة : الريح المنتنة.