النسيب ، وله من فنون الشعر ما ليس لجميل. وكان جميل صادق الصبابة والعشق ، وكان كثير يقول (١) ولم يكن عاشقا ، وكان راوية جميل.
واخرج ابن عساكر من طريق الصولي ، حدثنا محمد بن يزيد ، حدّثنا ابن عائشة حدّثني أبي حدّثني رجل من بني عامر بن لؤي ، ما رأيت بالحجاز أعلم منه ، قال : حدّثني كثير أنه وقف على جماعة يفيضون فيه وفي جميل أيهما أصدق عشقا ، ولم يكونوا يعرفونه بوجهه ، ففضلوا جميلا في عشقه ؛ قال : فقلت لهم : ظلمتم كثيرا ، كيف يكون جميل أصدق عشقا من كثير ، وإنما أتاه عن بثينة ما يكره فقال (٢) :
رمى الله في عيني بثينة بالقذى! |
|
وفي الغرّ من أنيابها بالقوادح |
وكثير أتاه عن عزة ما يكره فقال (٣) :
هنيئا مريئا غير داء مخامر |
|
لعزّة من أعراضنا ما استحلّت |
فما انصرفوا إلّا على تفضيلي.
وأخرج ابن عساكر عن العتبي قال (٤) : كان عبد الملك بن مروان يحب النظر الى
__________________
(١) في الطبقات : (يتقوّل).
(٢) الامالي ٢ / ١٠٩ واللآلي ٧٣٦ ، والموشح ١٩٩ ومصاع العشاق ٦١ ، والخزانة ٢ / ٣٧٩ و ٣ / ٩٤.
(٣) ديوانه ٤٩ ، وزهر الآداب ٣٥٤ ، والموشح ١٩٩.
(٤) الخبر في الأمالي ١ / ٤٦ ـ ٤٧ بلفظ : (.. دخل كثير على عبد الملك ابن مروان رحمهالله ، فقال عبد الملك بن مروان : أأنت كثير عزة؟
قال : نعم ، قال : أن تسمع بالمعيدي خير من أن تراه ، فقال : يا أمير المؤمنين ، كل عند محله رحب الفناء ، شامخ البناء ، عالي السناء ، ثم أنشأ يقول :
ترى الرجل النحيف فتزدريه |
|
وفي أثوابه أسد هصور |
ويعجبك الطرير إذا تراه |
|
فيخلف ظنك الرجل الطرير |
بغاث الطير أطولها رقابا |
|
ولم تطل البزاة ولا الصقور |
خشاش الطير أكثرها فراخا |
|
وأم الصقر مقلات نزور |
ضعاف الأسد أكثرها زئيرا |
|
وأصرمها اللواتي لا تزير |
وقد عظم البعير بغير لب |
|
فلم يستغن بالعظم البعير |
ينوّخ ثم يضرب بالهراوي |
|
فلا عرف لديه ولا نكير |
يقوّده الصبي بكل أرض |
|
وينحره على الدّرب الصغير |
فما عظم الرجال لهم بزين |
|
ولكن زينهم كرم وخير |
فقال عبد الملك : لله دره ، ما أفصح لسانه ، وأضبط جنانه ، وأطول عنانه! والله إني لأظنه كما وصف نفسه.