ومنها أن جاء على أسلوب التقسيم والتسوير وهي سنة جديدة في الكلام العربي أدخل بها عليه طريقة التبويب والتصنيف وقد أومأ إليها في «الكشاف» إيماء.
ومنها الأسلوب القصصي في حكاية أحوال النعيم والعذاب في الآخرة ، وفي تمثيل الأحوال ، وقد كان لذلك تأثير عظيم على نفوس العرب إذ كان فن القصص مفقودا من أدب العربية إلا نادرا ، كان في بعض الشعر كأبيات النابغة في الحيّة التي قتلت الرجل وعاهدت أخاه وغدر بها ، فلما جاء القرآن بالأوصاف بهت به العرب كما في سورة الأعراف [٤٤] من وصف أهل الجنة وأهل النار وأهل الأعراف : (وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ) إلخ وفي سورة الحديد [١٣] : (فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ) الآيات.
ومما يتبع هذا أن القرآن يتصرف في حكاية أقوال المحكي عنهم فيصوغها على ما يقتضيه أسلوب إعجازه لا على الصيغة التي صدرت فيها ، فهو إذا حكى أقوالا غير عربية صاغ مدلولها في صيغة تبلغ حد الإعجاز بالعربية ، وإذا حكى أقوالا عربية تصرف فيها تصرفا يناسب أسلوب المعبر مثل ما يحكيه عن العرب فإنه لا يلتزم حكاية ألفاظهم بل يحكى حاصل كلامهم ، وللعرب في حكاية الأقوال اتساع مداره على الإحاطة بالمعنى دون التزام الألفاظ ، فالإعجاز الثابت للأقوال المحكية في القرآن هو إعجاز للقرآن لا للأقوال المحكية.
ومن هذا القبيل حكاية الأسماء الواقعة في القصص فإن القرآن يغيرها إلى ما يناسب حسن مواقعها في الكلام من الفصاحة مثل تغيير شاول إلى طالوت ، وتغيير اسم تارح أبي إبراهيم إلى آزر.
وكذلك التمثيل فقد كان في أدب العرب الأمثال وهي حكاية أحوال مرموز لها بتلك الجمل البليغة التي قيلت فيها أو قيلت لها المسماة بالأمثال ، فكانت تلك الجمل مشيرة إلى تلك الأحوال ، إلا أنها لمّا تداولتها الألسن في الاستعمال وطال عليها الأمد نسيت الأحوال التي وردت فيها ولم يبق للأذهان عند النطق بها إلا الشعور بمغازيها التي تقال لأجلها.
أما القرآن فقد أوضح الأمثال وأبدع تركيبها كقوله تعالى : (مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ) [إبراهيم : ١٨] وقوله : (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكانٍ سَحِيقٍ) [الحج : ٣١] وقوله : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ) إلى قوله : (فَما لَهُ مِنْ