[الإسراء : ٨٤] وقوله : (طاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ) [النور : ٥٣] وقوله : (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [المؤمنون : ٩٦].
وسلك القرآن مسلك الإطناب لأغراض من البلاغة ومن أهم مقامات الإطناب مقام توصيف الأحوال التي يراد بتفصيل وصفها إدخال الروع في قلب السامع وهذه طريقة عربية في مثل هذا كقول ابن زيّابة :
نبّئت عمرا غارزا رأسه |
|
في سنة يوعد أخواله |
فمن آيات القرآن في مثله قوله تعالى : (كَلَّا إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ وَقِيلَ مَنْ راقٍ وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِراقُ وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ) [القيامة : ٢٦ ـ ٢٩] وقوله : (فَلَوْ لا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ) [الواقعة : ٨٣ ، ٨٤] وقوله : (مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ) [إبراهيم : ٤٣].
ومن أساليب القرآن المنفرد بها التي أغفل المفسرون اعتبارها أنه يرد فيه استعمال اللفظ المشترك في معنيين أو معان إذا صلح المقام بحسب اللغة العربية لإرادة ما يصلح منها ، واستعمال اللفظ في معناه الحقيقي والمجازي إذا صلح المقام لإرادتهما ، وبذلك تكثر معاني الكلام مع الإيجاز وهذا من آثار كونه معجزة خارقة لعادة كلام البشر ودالة على أنه منزل من لدن العليم بكل شيء والقدير عليه. وقد نبهنا على ذلك وحققناه في المقدمة التاسعة.
ومن أساليبه الإتيان بالألفاظ التي تختلف معانيها باختلاف حروفها أو اختلاف حركات حروفها وهو من أسباب اختلاف كثير من القراءات مثل : وجعلوا الملائكة الذين هم عند الرحمن إناثا [الزخرف : ١٩] قرئ (عند) بالنون دون ألف وقرئ (عباد) بالموحدة وألف بعدها ، ومثل : (إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ) [الزخرف : ٥٧] بضم الصاد وكسرها. وقد أشرنا إلى ذلك في المقدمة السادسة.
واعلم أن مما يندرج تحت جهة الأسلوب ما سماه أئمة نقد الأدب بالجزالة ، وما سمّوه بالرّقّة وبينوا لكل منهما مقاماته وهما راجعتان إلى معاني الكلام ، ولا تخلو سورة من القرآن من تكرر هذين الأسلوبين ، وكل منهما بالغ غايته في موقعه ، فبينما تسمعه يقول : (قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [الزمر : ٥٣] ويقول : (يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ