ومنها أن أصله (لاها) بالسريانية علم له تعالى فعرب بحذف الألف وإدخال اللام عليه. ومنها أنه علم وضع لاسم الجلالة بالقصد الأوّلي من غير أخذ من أله وتصييره الإله فتكون مقاربته في الصورة لقولنا الإله مقاربة اتفاقية غير مقصودة ، وقد قال بهذا جمع منهم الزجاج ونسب إلى الخليل وسيبويه ، ووجّهه بعض العلماء بأن العرب لم تهمل شيئا حتى وضعت له لفظا فكيف يتأتى منهم إهمال اسم له تعالى لتجري عليه صفاته.
وقد التزم في لفظ الجلالة تفخيم لامه إذا لم ينكسر ما قبل لفظه وحاول بعض الكاتبين توجيه ذلك بما لا يسلم من المنع ، ولذلك أبى صاحب «الكشاف» التعريج عليه فقال : «وعلى ذلك (أي التفخيم) العرب كلهم ، وإطباقهم عليه دليل أنهم ورثوه كابرا عن كابر».
وإنما لم يقدم المسند المجرور وهو متضمن لاسم الجلالة على المسند إليه فيقال لله الحمد ، لأن المسند إليه حمد على تنزيل القرآن والتشرف بالإسلام وهما منة من الله تعالى فحمده عليهما عند ابتداء تلاوة الكتاب الذي به صلاح الناس في الدارين فكان المقام للاهتمام به اعتبارا لأهمية الحمد العارضة ، وإن كان ذكر الله أهم أصالة فإن الأهمية العارضة تقدم على الأهمية الأصلية لاقتضاء المقام والحال ، والبلاغة هي المطالبة لمقتضى الحال ، على أن الحمد لما تعلق باسم الله تعالى كان في الاهتمام به اهتمام بشئون الله تعالى.
ومن أعجب الآراء ما ذكره صاحب «المنهل الأصفى في شرح الشفاء» التلمساني عن جمع من العلماء القول بأن اسم الجلالة يمسك عن الكلام في معناه تعظيما وإجلالا ولتوقف الكلام فيه على إذن الشارع.
(رَبِّ الْعالَمِينَ).
وصف لاسم الجلالة فإنه بعد أن أسند الحمد لاسم ذاته تعالى تنبيها على الاستحقاق الذاتي ، عقب بالوصف وهو الرب ليكون الحمد متعلقا به أيضا لأن وصف المتعلّق متعلّق أيضا ، فلذلك لم يقل الحمد لرب العالمين كما قال : (يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) [المطففين : ٦] ليؤذن باستحقاقه الوصفي أيضا للحمد كما استحقه بذاته.
وقد أجرى عليه أربعة أوصاف هي : رب العالمين ، الرحمن ، الرحيم ، ملك يوم الدين ، للإيذان بالاستحقاق الوصفي فإن ذكر هذه الأسماء المشعرة بالصفات يؤذن بقصد