وربّ عليه الله أحسن صنعه |
|
وكان له على البرية ناصرا |
وقال صاحب «الكشاف» ومن تابعه : إنه لم يطلق على غيره تعالى إلا مقيدا أو لم يأتوا على ذلك بسند وقد رأيت أن الاستعمال بخلافه ، أما إطلاقه على كل من آلهتهم فلا مرية فيه كما قال غاوي بن ظالم أو عباس بن مرداس :
أربّ يبول الثّعلبان برأسه |
|
لقد هان من بالت عليه الثعالب |
وسموا العزى الرّبة. وجمعه على أرباب أدل دليل على إطلاقه على متعدد فكيف تصح دعوى تخصيص إطلاقه عندهم بالله تعالى؟ وأما إطلاقه مضافا أو متعلقا بخاص فظاهر وروده بكثرة نحو رب الدار ورب الفرس ورب بني فلان.
وقد ورد الإطلاق في الإسلام أيضا حين حكى عن يوسف عليهالسلام قوله : (إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ) [يوسف : ٢٣] إذا كان الضمير راجعا إلى العزيز وكذا قوله : (أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ) [يوسف : ٣٩] فهذا إطلاق للرب مضافا وغير مضاف على غير الله تعالى في الإسلام لأن اللفظ عربي أطلق في الإسلام ، وليس يوسف أطلق هذا اللفظ بل أطلق مرادفه فلو لم يصح التعبير بهذا اللفظ عن المعنى الذي عبر به يوسف لكان في غيره من ألفاظ العربية معدل ، إنما ورد في الحديث النهي عن أن يقول أحد لسيده ربي وليقل سيدي ، وهو نهي كراهة للتأديب ولذلك خص النهي بما إذا كان المضاف إليه ممن يعبد عرفا كأسماء الناس لدفع تهمة الإشراك وقطع دابره وجوزوا أن يقول رب الدابة ورب الدار ، وأما بالإطلاق فالكراهة أشد فلا يقل أحد للملك ونحوه هذا رب.
و (العالمين) جمع عالم قالوا ولم يجمع فاعل هذا الجمع إلا في لفظين عالم وياسم ، اسم للزهر المعروف بالياسمين ، قيل جمعوه على ياسمون وياسمين قال الأعشى :
وقابلنا الجلّ والياسم |
|
ون والمسمعات وقصّابها |
والعالم الجنس من أجناس الموجودات ، وقد بنته العرب على وزن فاعل بفتح العين مشتقا من العلم أو من العلامة لأن كل جنس له تميز عن غيره فهو له علامة ، أو هو سبب العلم به فلا يختلط بغيره. وهذا البناء مختص بالدلالة على الآلة غالبا كخاتم وقالب وطابع فجعلوا العوالم لكونها كالآلة للعلم بالصانع ، أو العلم بالحقائق. ولقد أبدع العرب في هذه اللطيفة إذ بنوا اسم جنس الحوادث على وزن فاعل لهذه النكتة ، ولقد أبدعوا إذ جمعوه جمع العقلاء مع أن منه ما ليس بعاقل تغليبا للعاقل.