أقدم من العبرانية ولعل الذي جرأه على ادعاء أن الرحمن اسم عبراني ما حكاه القرآن عن المشركين في قوله : (قالُوا وَمَا الرَّحْمنُ) [الفرقان : ٦٠] ويقتضي أن العرب لم يكونوا يعلمون هذا الاسم لله تعالى كما سيأتي بعض عرب اليمن يقولون رخم رخمة بالمعجمة.
واسم الرحمة موضوع في اللغة العربية لرقة الخاطر وانعطافه نحو حيّ بحيث تحمل من اتصف بها على الرفق بالمرحوم والإحسان إليه ودفع الضر عنه وإعانته على المشاق. فهي من الكيفيات النفسانية لأنها انفعال ، ولتلك الكيفية اندفاع يحمل صاحبها على أفعال وجودية بقدر استطاعته وعلى قدر قوة انفعاله ، فأصل الرحمة من مقولة الانفعال وآثارها من مقولة الفعل ، فإذا وصف موصوف بالرحمة كان معناه حصول الانفعال المذكور في نفسه ، وإذا أخبر عنه بأنه رحم غيره فهو على معنى صدر عنه أثر من آثار الرحمة ، إذ لا تكون تعدية فعل رحم إلى المرحوم إلا على هذا المعنى فليس لماهية الرحمة جزئيات وجودية ولكنها جزئيات من آثارها. فوصف الله تعالى بصفات الرحمة في اللغات ناشئ على مقدار عقائد أهلها فيما يجوز على الله ويستحيل ، وكان أكثر الأمم مجسّمة ثم يجيء ذلك في لسان الشرائع تعبيرا عن المعاني العالية بأقصى ما تسمح به اللغات مع اعتقاد تنزيه الله عن أعراض المخلوقات بالدليل العام على التنزيه وهو مضمون قول القرآن : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) [الشورى : ١١] فأهل الإيمان إذا سمعوا أو أطلقوا وصفي الرحمن الرحيم لا يفهمون منه حصول ذلك الانفعال الملحوظ في حقيقة الرحمة في متعارف اللغة العربية لسطوع أدلة تنزيه الله تعالى عن الأعراض ، بل إنه يراد بهذا الوصف في جانب الله تعالى إثبات الغرض الاسمي من حقيقة الرحمة وهو صدور آثار الرحمة من الرفق واللطف والإحسان والإعانة ؛ لأن ما عدا ذلك من القيود الملحوظة في مسمى الرحمة في متعارف الناس لا أهمية له لو لا أنه لا يمكن بدونه حصول آثاره فيهم ألا ترى أن المرء قد يرحم أحدا ولا يملك له نفعا لعجز أو نحوه.
وقد أشار إلى ما قلناه أبو حامد الغزالي في «المقصد الأسنى» بقوله : «الذي يريد قضاء حاجة المحتاج ولا يقضيها فإن كان قادرا على قضائها لم يسمّ رحيما إذ لو تمت الإرادة لوفّى بها وإن كان عاجزا فقد يسمى رحيما باعتبار ما اعتوره من الرحمة والرقة ولكنه ناقص». وبهذا تعلم أن إطلاق نحو هذا الوصف على الله تعالى ليس من المتشابه لتبادر المعنى المراد منه بكثرة استعماله وتحقق تنزه الله عن لوازم المعنى المقصود في الوضع مما لا يليق بجلال الله تعالى كما نطلق العليم على الله مع التيقن بتجرد علمه عن