الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ) [البقرة : ١٧٢] ، وقد كمل ذلك بذكر صنف من الناس قليل وهم المشركون الذين لم يظهروا الإسلام ولكنهم أظهروا مودة المسلمين : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) [البقرة : ٢٠٤].
ولما قضى حق ذلك كله بأبدع بيان وأوضح برهان ، انتقل إلى قسم تشريعات الإسلام إجمالا بقوله : (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ) [البقرة : ١٧٧] ، ثم تفصيلا : القصاص ، الوصية ، الصيام ، الاعتكاف ، الحج ، الجهاد ، ونظام المعاشرة والعائلة ، المعاملات المالية ، والإنفاق في سبيل الله ، والصدقات ، والمسكرات ، واليتامى ، والمواريث ، والبيوع والربا ، والديون ، والإشهاد ، والرهن ، والنكاح ، وأحكام النساء ، والعدة ، والطلاق ، والرضاع ، والنفقات ، والأيمان.
وختمت السورة بالدعاء المتضمن لخصائص الشريعة الإسلامية وذلك من جوامع الكلم فكان هذا الختام تذييلا وفذلكة : (ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ) [البقرة : ٢٨٤] الآيات.
وكانت في خلال ذلك كله أغراض شتى سبقت في معرض الاستطراد في متفرق المناسبات تجديدا لنشاط القارئ والسامع ، كما يسفر وجه الشمس إثر نزول الغيوث الهوامع ، وتخرج بوادر الزّهر عقب الرعود القوارع ، من تمجيد الله وصفاته : (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) [البقرة : ٢٥٥] ورحمته وسماحة الإسلام ، وضرب أمثال : (أَوْ كَصَيِّبٍ) [البقرة : ١٩] واستحضار نظائر : (وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ) [البقرة : ٧٤] (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ) [البقرة : ٢٤٣] وعلم وحكمة ، ومعاني الإيمان والإسلام ، وتثبيت المسلمين : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ) [البقرة : ١٥٣] والكمالات الأصلية ، والمزايا التحسينية ، وأخذ الأعمال والمعاني من حقائقها وفوائدها لا من هيئاتها ، وعدم الاعتداد بالمصطلحات إذا لم ترم إلى غايات : (وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها) [البقرة : ١٨٩] (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ) [البقرة : ١٧٧] (وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللهِ) [البقرة : ٢١٧] والنظر والاستدلال ، ونظام المحاجة ، وأخبار الأمم الماضية ، والرسل وتفاضلهم ، واختلاف الشرائع.
[١] (الم (١))
تحير المفسرون في محل هاته الحروف الواقعة في أول هاته السور ، وفي فواتح سور