القراء. وروى عن قراء الكوفة أن بعضها عدّوه آيات مستقلة وبعضها لم يعدوه وجعلوه جزء آية مع ما يليه ، ولم يظهر وجه التفصيل حتى قال صاحب «الكشاف» إن هذا لا دخل للقياس فيه. والصحيح عن الكوفيين أن جميعها آيات وهو اللائق بأصحاب هذا القول إذ التفصيل تحكم ؛ لأن الدليل مفقود. والوجه عندي أنها آيات لأن لها دلالة تعريضية كنائية إذ المقصود إظهار عجزهم أو نحو ذلك فهي تطابق مقتضى الحال مع ما يعقبها من الكلام ولا يشترط في دلالة الكلام على معنى كنائي أن يكون له معنى صريح بل تعتبر دلالة المطابقة في هذه الحروف تقديرية إن قلنا باشتراط ملازمة دلالة المطابقة لدلالة الالتزام. ويدل لإجراء السلف حكم أجزاء الآيات عليها أنهم يقرءونها إذا قرءوا الآية المتصلة بها ، ففي «جامع الترمذي» في كتاب التفسير في ذكر سبب نزول سورة الروم فنزلت : (الم غُلِبَتِ الرُّومُ) [الروم : ١ ، ٢] ، وفيه أيضا : «فخرج أبو بكر الصديق يصيح في نواحي مكة (الم غُلِبَتِ الرُّومُ) وفي «سيرة ابن إسحاق» من رواية ابن هشام عنه : «فقرأ رسول الله على عتبة بن ربيعة : (حم تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) حتى بلغ قوله : (فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ) [فصلت : ١ ـ ١٣] الحديث.
وعلى هذا الخلاف اختلف في إجزاء قراءتها في الصلاة عند الذين يكتفون في قراءة السورة مع الفاتحة بآية واحدة مثل أصحاب أبي حنيفة.
[٢] (ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ (٢))
(ذلِكَ الْكِتابُ).
مبدأ كلام لا اتصال له في الإعراب بحروف (الم) [البقرة : ١] كما علمت مما تقدم على جميع الاحتمالات كما هو الأظهر. وقد جوز صاحب «الكشاف» على احتمال أن تكون حروف (الم) مسوقة مساق التهجي لإظهار عجز المشركين عن الإتيان بمثل بعض القرآن ، أن يكون اسم الإشارة مشارا به إلى (الم) باعتباره حرفا مقصودا للتعجيز ، أي ذلك المعنى الحاصل من التهجي أي ذلك الحروف باعتبارها من جنس حروفكم هي الكتاب أي منها تراكيبه فما أعجزكم عن معارضته ، فيكون (الم) جملة مستقلة مسوقة للتعريض.
واسم الإشارة مبتدأ و (الكتاب) خبرا. وعلى الأظهر تكون الإشارة إلى القرآن المعروف لديهم يومئذ واسم الإشارة مبتدأ و (الكتاب) بدل وخبره ما بعده ، فالإشارة إلى