وقوله : (الْكِتابُ) يجوز أن يكون بدلا من اسم الإشارة لقصد بيان المشار إليه لعدم مشاهدته ، فالتعريف فيه إذن للعهد ، ويكون الخبر هو جملة (لا رَيْبَ فِيهِ) ، ويجوز أن يكون (الكتاب) خبرا عن اسم الإشارة ويكون التعريف تعريف الجنس فتفيد الجملة قصر حقيقة الكتاب على القرآن بسبب تعريف الجزءين فهو إذن قصر ادّعائي ومعناه ذلك هو الكتاب الجامع لصفات الكمال في جنس الكتب بناء على أن غيره من الكتب إذا نسبت إليه كانت كالمفقود منها وصف الكتاب لعدم استكمالها جميع كمالات الكتب ، وهذا التعريف قد يعبر عنه النحاة في تعداد معاني لام التعريف بمعنى الدلالة على الكمال فلا يرد أنه كيف يحصر الكتاب في أنه الم أو في السورة أو نحو ذلك إذ ليس المقام مقام الحصر وإنما هو مقام التعريف لا غير ، ففائدة التعريف والإشارة ظاهرية وليس شيء من ذلك لغوا بحال وإن سبق لبعض الأوهام على بعض احتمال.
و (الكتاب) فعال بمعنى المكتوب إما مصدر كاتب المصوغ للمبالغة في الكتابة ، فإن المصدر يجىء بمعنى المفعول كالخلق ، وإما فعال بمعنى مفعول كلباس بمعنى ملبوس وعماد بمعنى معمود به. واشتقاقه من كتب بمعنى جمع وضم لأن الكتاب تجمع أوراقه وحروفه ، فإن النبي صلىاللهعليهوسلم أمر بكتابة كل ما ينزل من الوحي وجعل للوحي كتابا ، وتسمية القرآن كتابا إشارة إلى وجوب كتابته لحفظه. وكتابة القرآن فرض كفاية على المسلمين.
(لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ).
حال من الكتاب أو خبر أول أو ثان على ما مر قريبا. والريب الشك وأصل الريب القلق واضطراب النفس ، وريب الزمان وريب المنون نوائب ذلك ، قال الله تعالى : (نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ) [الطور : ٣٠] ولما كان الشك يلزمه اضطراب النفس وقلقها غلب عليه الريب فصار حقيقة عرفية يقال رابه الشيء إذا شككه أي بجعل ما أوجب الشك في حاله فهو متعد ، ويقال أرابه كذلك إذ الهمزة لم تكسبه تعدية زائدة فهو مثل لحق وألحق ، وزلقه وأزلقه وقد قيل إن أراب أضعف من راب أراب بمعنى قرّبه من أن يشك قاله أبو زيد ، وعلى التفرقة بينهما قال بشار :
أخوك الذي إن ربته قال إنما |
|
أربت وإن عاتبته لان جانبه (١) |
__________________
(١) أي إن فعلت معه ما يوجب شكه في مودتك راجع نفسه. وقال : إنما قربني من الشك ولم أشك فيه. أي التمس لك العذر.