موجه إلى الخاصة من العقلاء أن يقول لهم هذا كتاب مؤلف من حروف كلامكم ، وهو بالغ حد الكمال من بين الكتب ، فكان ذلك مما يوفر دواعيكم على اتباعه والافتخار بأن منحتموه فإنكم تعدون أنفسكم أفضل الأمم ، فكيف لا تسرعون إلى متابعة كتاب نزل فيكم هو أفضل الكتب فوزان هذا وزان قوله تعالى : (أَنْ تَقُولُوا إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا) إلى قوله : (وَرَحْمَةٌ) [الأنعام : ١٥٦ ، ١٥٧] ، وموجّه إلى أهل الكتاب بإيقاظهم إلى أنه أفضل مما أوتوه.
وجملة : (لا رَيْبَ) إن كان الوقف على قوله : (لا رَيْبَ) تعريض بكل المرتابين فيه من المشركين وأهل الكتاب أي إن الارتياب في هذا الكتاب نشأ عن المكابرة ، وأن (لا ريب) فإنه الكتاب الكامل ، وإن كان الوقف على قوله : (فِيهِ) كان تعريضا بأهل الكتاب في تعلقهم بمحرف كتابيهم مع ما فيهما من مثار الريب والشك من الاضطراب الواضح الدال على أنه من صنع الناس ، قال تعالى : (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) [النساء : ٨٢].
وقال في «الكشاف» : ثم لم تخل كل واحدة من هذه الأربع بعد أن نظمت هذا التنظيم السري من نكتة ذات جزالة : ففي الأولى الحذف والرمز إلى الغرض بألطف وجه ، وفي الثانية ما في التعريف من الفخامة ، وفي الثالثة ما في تقديم الريب على الظرف ، وفي الرابعة الحذف ووضع المصدر ـ وهو الهدى ـ موضع الوصف وإيراده منكرا والإيجاز في ذكر المتقين ا ه. فالتقوى إذن بهذا المعنى هي أساس الخير ، وهي بالمعنى الشرعي الذي هو غاية المعنى اللغوي جماع الخيرات. قال ابن العربي لم يتكرر لفظ في القرآن مثلما تكرر لفظ التقوى اهتماما بشأنها.
[٣] (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٣))
(الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ).
يتعين أن يكون كلاما متصلا بقوله : (لِلْمُتَّقِينَ) [البقرة : ٢] على أنه صفة لإرداف صفتهم الإجمالية بتفصيل يعرف به المراد ، ويكون مع ذلك مبدأ استطراد لتصنيف أصناف الناس بحسب اختلاف أحوالهم في تلقي الكتاب المنوّه به إلى أربعة أصناف بعد أن كانوا قبل الهجرة صنفين ، فقد كانوا قبل الهجرة صنفا مؤمنين وصنفا كافرين مصارحين ، فزاد بعد الهجرة صنفان : هما المنافقون وأهل الكتاب ، فالمشركون الصرحاء هم أعداء الإسلام