وهذا وإن كان كذا فإن العرب لم تعرفه بمثل ما أتت به الشريعة من الأعداد والمواقيت ا ه.
قلت لا شك أن العرب عرفوا الصلاة والسجود والركوع وقد أخبر الله تعالى عن إبراهيم عليهالسلام فقال : (رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ) [إبراهيم : ٣٧] وقد كان بين ظهرانيهم اليهود يصلون أي يأتون عبادتهم بهيئة مخصوصة ، وسمّوا كنيستهم صلاة ، وكان بينهم النصارى وهم يصلون وقد قال النابغة في ذكر دفن النعمان بن الحارث الغساني :
فآب مصلّوه بعين جلية |
|
وغودر بالجولان حزم ونائل (١) |
على رواية مصلوه بصاد مهملة أراد المصلين عليه عند دفنه من القسس والرهبان ، إذ قد كان منتصرا ومنه البيت السابق. وعرفوا السجود قال النابغة :
أو درة صدفية غوّاصها |
|
بهج متى يرها يهلّ ويسجد |
وقد تردد أئمة اللغة في اشتقاق الصلاة ، فقال قوم مشتقة من الصلا وهو عرق غليظ في وسط الظهر ويفترق عند عجب الذنب فيكتنفه فيقال : حينئذ هما صلوان ، ولما كان المصلي إذا انحنى للركوع ونحوه تحرك ذلك العرق اشتقت الصلاة منه كما يقولون أنف من كذا إذا شمخ بأنفه لأنه يرفعه إذا اشمأز وتعاظم فهو من الاشتقاق من الجامد كقولهم استنوق الجمل وقولهم تنمر فلان ، وقولها : «زوجي إذا دخل فهد وإذا خرج أسد» (٢) والذي دل على هذا الاشتقاق هنا عدم صلوحية غيره فلا يعد القول به ضعيفا لأجل قلة الاشتقاق من الجوامد كما توهمه السيد.
وإنما أطلقت على الدعاء لأنه يلازم الخشوع والانخفاض والتذلل ، ثم اشتقوا من الصلاة التي هي اسم جامد صلى إذا فعل الصلاة واشتقوا صلى من الصلاة كما اشتقوا صلّى الفرس إذا جاء معاقبا للمجلي في خيل الحلبة ، لأنه يجىء مزاحما له في السبق ،
__________________
(١) روي مصلوه بالصاد فقال في «شرح ديوانه» : إن معناه رجع الرهبان الذين صلوا عليه صلاة الجنازة وروي بالضاد المعجمة ومعناه دافنوه ، أي رجع الذين أضلوه أي غيبوه في الأرض. قال تعالى : (وَقالُوا أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) [السجدة : ١٠] وقوله بعين جلية : أي بتحقق خبر موته لمن كان في شك من ذلك لشدة هول المصاب. والجولان : موضع دفن به.
(٢) في حديث أم زرع.